الأزمة الصومالية بين المجتمع المدني وبارونات الحرب بقلم: خالد عمر بن ققه*

ت + ت - الحجم الطبيعي

أيد وزراء الخارجية الأفارقة في اجتماعهم الأخير الذي عقدوه في أديس أبابا خطة السلام الصومالية التي اقترحتها جيبوتي, وقد سبق ان أيدتها عدة أطراف دولية, بل ربما تعد الخطة الأولى من نوعها التي تحظى بهذا التأييد ولذلك صرح علي عيدي فرح ( أن حكومته شعرت بتشجيع نتيجة الاهتمام والمشاركة النشطة اللذين أبداهما المجتمع المدني في الصومال, وترغب في اشراك العناصر الفاعلة الخارجية) .. غير ان مثل هذه التصريحات لا تعكس الواقع السياسي حيث تذهب عدة مصادر مطلعة إلى التأكيد على ان الزعماء العسكريين الصوماليين ـ ومنهم عبدالله يوسف أحمد رئيس منطقة (بلاد بونت) المستقلة المعلنة من جانب واحد في شمال شرقي الصومال, وحسين محمد عيديد الرجل القوي في جنوب مقديشيو ـ أبدوا عدم استعدادهم لقبول الخطة الجيبوتية, ولهذا يتساءل المراقبون عن مدى امكانية حل الأزمة الصومالية بناء على الخطة السابقة؟ الواقع ان هناك محاولات عدة بذلت بهدف انقاذ الصومال مما هو فيه بما في ذلك تدخل الأمم المتحدة, ويرجع البعض سبب ذلك إلى كثرة المبادرات وتعددها من الخارج, ويتخوف المراقبون الآن من طرق ليبيا مبادرة تكون منافسة للخطة الجيبوتية مما قد يعطل مسار حركة العمل الدولي الهادف إلى اخراج الصومال من محنتها, التي بدأت منذ 1991 أي بعد سقوط الرئيس السابق محمد سياد بري, وان كانت أطراف أخرى عربية لا تتوقع مبادرة أخرى من ليبيا, لكونها لا تريد ان تكون خارج العمل الدولي الشامل رغم المعطيات الحالية التي تشير إلى عكس ذلك. يلاحظ ان الخطة الجيبوتية, قد لاقت ترحيبا من معظم الأطراف الدولية الفاعلة, وربما يعود ذلك إلى أهدافها الرئيسية المتمثلة في توفير أوسع نطاق ممكن من المساندة لعملية إرساء سلام وطني في الصومال, واشراك فصائل الشعب الصومالي وفئاته في المرحلة التحضيرية بحيث تتم عملية احلال السلام في الصومال بمشاركة شعبية واسعة النطاق, ووضع اطار وطني لحكومة تحظى بتأييد الادارات المحلية, وهذه الأهداف الرئيسية الثلاث منبثقة من المبادئ العامة المنظمة لعملية احلال السلام في الصومال, حيث طرحت جيبوتي في بنود خطتها قضايا جوهرية منها: مراعاة كافة القرارات المتعلقة بالصومال والصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن بالأمم المتحدة ومنظمة (ايجاد) و(جامعة الدول العربية) ومنظمة المؤتمر الاسلامي وحركة بلدان عدم الانحياز, وهي قرارات تؤكد جميعها على احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه واستقلاله السياسي. ولا شك ان تلك المراعاة تجمع كل الأطراف الدولية بتصوراتها المختلفة ومبادراتها المتزامنة أو البعيدة, وربما تعد تلك محاولة لتجميع كل المنظمات الدولية لتأييد الخطة الجيبوتية وهو ما حصل بالفعل, أما بالنسبة للوضع الداخلي للصومال فقد ارتأت الخطة ضرورة اعتبار التوجهات التي نشأت لاقامة ادارات محلية أو التخلص من السلطة المركزية للحكومة بمثابة أرضية لارساء حكم مستقبلي في الصومال قوامه أقاليم تتمتع بالحكم الذاتي أو نظام حكم فيدرالي. بجانب ذلك يتم تنظيم وعقد المؤتمر المقترح بالشكل الذي يوفر فرصة مواتية للحوار والوفاق, والأخذ في الاعتبار كافة الافكار والمقترحات ذات الصلة جنبا إلى جنب مع الاعتراف بما سبق بذله من جهود للتوصل إلى تسوية للأزمة, وعدم اغفال الكم الهائل من الأفكار والمقترحات التلقائية التي طرحت من جانب ممثلين لكافة فئات الشعب الصومالي وفصائله, وتتولى مؤسسات المجتمع المدني الصومالي توجيه وتسيير عملية احلال السلام الوطني, وعدم استبعاد أية شخصية صومالية أو فصيل أو اقليم وعدم محاباة شخصيات معينة أو جماعات أو أقاليم, والالتزام بالشفافية والانصاف والمرونة .. إلخ. والبنود السابقة ـ كما نرى ـ تركز على المجتمع المدني داخل الصومال بقدر تركيزها على المبادرات الدولية, وبالتأكيد سوف تواجه صعوبات عند تطبيقها رغم الحديث الحالي عن تأييد المجتمع الصومالي بمختلف فئاته, ذلك لأن هذا المجتمع نفسه لم يكن مؤيدا للحرب الأهلية طوال التسع سنوات الماضية, وانما كان مجبرا عليها من بارونات الحرب, خصوصا بعد ان تم تقسيمه إلى قبائل وجماعات وفئات متقاتلة, وواضح أيضا ان الرهان قائم على التدخل الدولي لتدعيم الخطة, مع مراعاة الوضع الداخلي, وربما لهذا السبب ركزت جيبوتي على فكرة الدعم المادي والمعنوي خصوصا خلال المرحلة الانتقالية التي ستستغرق عامين. للعلم فإن المخصصات المالية للمرحلة الانتقالية ستكون لتلبية متطلبات كافة الأنشطة بما فيها أعمال البناء والتشييد والاصلاح الاقتصادي, واعادة تشكيل قوات الشرطة التي تسهر على حماية الأمن, واحترام حقوق الانسان, واعادة بناء المؤسسات الادارية للدولة وتأسيس هيئة تشريعية, ونظام قضائي وانشاء منافذ جمركية وتشكيل قوات لتأمين حدود الدولة وغير ذلك من المتطلبات التي تعني بالأساس اعادة بناء الدولة من جديد بمختلف أشكالها, بدءا بالبنية التحتية وانتهاء بصياغة منظومة قانونية تحتكم لديها جميع الأطراف, وواضح هنا ان الدعوة لمسألة حقوق الانسان ـ ومع انها تعتبر تطويق للتجاوزات التي يمكن حصولها أو تفاديا لها ـ فإنها تخاطب في الأساس الدول الغربية بهدف التأييد للخطة. وفي نظر المراقبين فإن الخطة الجيبوتية ـ والتي أبدت بعض المصادر المطلعة داخل جامعة الدول العربية تأييدها المطلق لها ـ تعتبر شاملة لكل المبادرات الدولية السابقة من جهة, وجديدة لكونها تركز أيضا على المجتمع المدني الصومالي من جهة ثانية, وتكشف الخطة عن عدد اللجان ودورها, وهي خمس لجان رئيسية هي: لجنة الربط بين مؤسسات المجتمع المدني الصومالي, ولجنة التنسيق والارتباط والشئون التنظيمية, ولجنة الاتصالات ولجنة الفاعليات الثقافية, ولجنة تعبئة الموارد, وهذه اللجان جميعها تهدف إلى ايجاد جو ملائم لانجاح المبادرة. من ناحية أخرى فإن الخطة الجيبوتية ستعمل على انعقاد اجتماع تمهيدي لمؤتمر المصالحة في الفترة ما بين 20 ابريل و5 مايو المقبل في جيبوتي, وذلك حسب البيان الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية الأفارقة الأخير في أديس أبابا, وللعلم فإن جيبوتي قد نفذت مسيرة اجراءات عقد مؤتمر السلام الوطني في الصومال, منذ شهر يناير, حين بدأت في ترتيبات عقد المؤتمر, وتجميع وتحديد أسماء الشخصيات الصومالية, التي ستدعى إلى المشاركة في الملتقيات التي نظمتها جمهورية جيبوتي خلال شهري فبراير ومارس, علما بان رئيس جيبوتي هو الذي يشرف على هذه المبادرة, وقد عقدت اجتماعات أخرى لممثلي المجتمع المدني الصومالية, كما قام رئيس جيبوتي بزيارة عدد من الدول العربية لاستعراض الموقف بخصوص المبادرة, وأخيرا طرحت المبادرة ـ كما ذكرنا سابقا ـ على وزراء الخارجية لمنظمة الوحدة الافريقية وقبلت بالتأييد. ينتظر عقد مؤتمر السلام الوطني في الصومال من 20 ابريل إلى 5 مايو, على ان يسبق بحصول على مصادقة على هيكلية المرحلة الانتقالية, وينتظر ان يتم في يونيو المقبل افتتاح اجتماع المجلس الانتقالي في مقديشيو وهذا المجلس الانتقالي ينتخب رئيسا, ورئيس وزراء, ويقوم رئيس الوزراء المنتخب بتشكيل مجلس وزراء. يطرحه على المجلس الانتقالي طلبا في الحصول على ثقة المجلس, وفي شهر يوليو المقبل, إذا تمكنت جيبوتي من تنفيذ الخطة وأيدتها مختلف القوى الصومالية, فإن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمين العام للأمم المتحدة يقومون بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للأطراف المانحة للدعم المادي. الواقع ان الخطة الجيبوتية اهتمت بالوضع الداخلي في الصومال مراعية التفكك الذي وصلت إليه البلاد على أسس عشائرية, ومع ان ذلك من الصعب تجاوزه إلا انها استفادت من التجارب السابقة التي اعتمدت على اعتبار الانتماء العشائري الأساس الوحيد في تحديد توزيع المناصب في أي حكومة, وتلك المعطيات تعاملت معها المبادرة بنوع من المرونة والتفهم, وتقديم حلول وسط ترضي جميع الأطراف. ويتوقع المراقبون انه أمام ضغط الشعب نتيجة تكاليف الحرب ماديا ومعنويا, وأيضا نظرا للتأييد الدولي للخطة الجيبوتية, فإن قادة الفصائل الصومالية سيجدون انفسهم مجبرين على القبول بها لأنه من الصعب مواجهة العالم كله, ناهيك عن احتمال تمرد المجتمع المدني على معظم قادة الفصائل مما قد يدفع إلى تدخل دولي جديد, لذلك فإن المرجح هو محاولة تعطيل الخطة, لكن في النهاية ستكون النتيجة لصالح الشعب الصومالي الذي عانى طويلا من الحرب الأهلية.

Email