رأي البيان وقفة عرفات

ت + ت - الحجم الطبيعي

اليوم (وقفة عرفات) حيث تحرك الحجيج من أقاصي الارض ليقفوا وقفة رجل واحد ملبين مهللين ومكبرين, ومتحررين من كل عناصر الضعف ونوازع الانانية, ومتجردين الا من ايمانهم ومآزرهم, سواسية كأسنان المشط, هاتفين بنداء واحد: لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, ان الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك. وفي هذا المقام الكريم كانت آية الكمال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) وهنا كانت حجة الوداع الغنية بوصايا الرسول الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم. هناك اذن على أرض عرفات المقدسة يتجسد يوم (الوحدة الكبرى) حيث يجتمع المسلمون جميعا لاتفرقهم اشكال او الوان او لغات او مصالح, ويلتقون جميعا على كلمة التوحيد والوحدة. واذا ما تأمل متأمل بهذا الحشد الواحد, ببعده الديني والسياسي والاخلاقي, لوقف مبهورا امام عظمة الخالق الواحد الذي فرض على عباده الوحدة واللقاء والتعاون على البر والتقوى, وامام قوة الوحدة التي تجسدها الملايين التي حضرت من كل مكان ممثلة اكثر من الف مليون من البشر لتلتقي في هذا المؤتمر السنوي المذهل. وان جمح الخيال بالمراقب قليلا فتصور لوهلة ان كل هؤلاء البشر يمكن ان يتحركوا بقوة رجل واحد الى هدف واحد.. فكيف سيكون حينئذ اداؤهم وعطاؤهم وتأثيرهم على هذه الارض وبين القوى العالمية الكبرى؟ من المؤكد ان الصورة تختلف على الفور من ضعف التجزئة والصراعات الى قوة الوحدة, ومن تشتت الامكانيات الى قوة كبرى, ومن توهان فكري واخلاقي وسياسي الى جسد واحد, اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى, ومن تخلف يتيح للآخرين العبث بمصائرنا الى قوة وارادة سياسية فاعلة وقادرة على تحقيق التقدم والتنمية والرفاهية لكل المسلمين. وفي قلب هذه الصورة يظهر العرب الذين كرمهم الله بأمانة الرسالة, وبالنبي العربي, وبالقرآن الكريم, الذي شرفهم ونزل بلغتهم, حيث يفرض ذلك كله على كل عربي مسئولية مضاعفة أمام خالقه, ثم أمام ذاته وأمته. وعندما يرى العربي ما أعطاه الله من نعم, وما حمله من مسئوليات, لابد ان يكبر بثقته بربه واحترامه لنفسه ولقدرته على الفعل والعطاء, ويخجل بالتالي من حالة الضعف والتجزئة, ومن اخفاقه غير المبرر في توحيد طاقاته من أجل تحرير المقدسات في فلسطين ومعها جميع الأراضي المحتلة, ومن تقصيره في تحصيل العلم والمعرفة ومواكبة العصر. وقفة عرفات تحمل كل هذه المعاني وتدفع إلى استعادة العمل بفريضة الوحدة التي جاءت بالأمر الإلهي الحاسم: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وذلك هو المدخل إلى درب الخلاص والتحرر والتقدم والبناء.

Email