راي البيان أخطر من الازمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

(التنفيس) الذي شهده المسار الفلسطيني امس الاول اعطى اسرائيل اكثر بكثير مما كانت تطلبه قبل ان تصل المفاوضات الى ما قيل انه (ازمة) شديدة في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية, وهذه الحقيقة تتفق مع ما رصده المراقبون من ان الازمات المفتعلة على هذا المسار ماهي الا وسيلة لتبرير المزيد من التنازلات من قبل المفاوض الفلسطيني, وهو ما يؤدي في النهاية الى فرض الحل الاسرائيلي للقضية الفلسطينية . هذه الحقيقة عبر عنها بوضوح (ديفيد ليفي) وزير الخارجية الصهيوني وهو يمتدح شروط العودة الجديدة الى المفاوضات واستجابتها للمطالب الاسرائيلية, بما في ذلك دمج المرحلتين الانتقالية والنهائية والقبول بالتغاضي عن الانسحاب الاسرائيلي الا في الحدود التي ترسمها اسرائيل نفسها. بل ان المسئولين الفلسطينيين انفسهم اعترفوا بحقيقة رضوخهم للمطالب الاسرائيلية حين عبر (مسئول) منهم عن ذلك بقوله ان (الفلسطينيين وافقوا على ابرام اتفاق اطار حول الوضع النهائي للاراضي الفلسطينية بحلول مايو المقبل) كما كان قد طلب رئيس الوزراء الاسرائيلي من قبل. واذا كان هذا الواقع المذهل لأعجب مفاوضات من نوعها في التاريخ ليس جديدا وبات واضحا ومرصودا لدى كل المراقبين الجادين طوال عمليات التفاوض الاسرائيلية ـ الفلسطينية منذ (اوسلو) المشؤوم حتى الآن, فان عملية (التنفيس) التي شهدتها (الازمة) الاخيرة هي الاخطر من حيث التنازلات و(الهبات) المجانية للعدو الصهيوني. فاذا كانت التنازلات السابقة التي كادت تودي بكل فلسطين تحدث من تلك الجعبة التي تصور زورا بأنها من صميم شئون السلطة الفلسطينية وحدها بصفتها التمثيلية, فان الحقيقة غير ذلك ففلسطين شأن يهم كل الفلسطينيين وخاصة اولئك المطرودين من ديارهم منذ عام 1948, وتهم كل القوى السياسية والانسانية التي يجسدها الشعب العربي الفلسطيني الابي وليس فئة واحدة منه, وتهم كل العرب والمسلمين بحكم الانتماء وما تضمه هذه الارض المباركة من مقدسات. لكن الاخطر ان (التنفيس) الاخير تجاوز حتى كل الحدود السابقة ليأتي قبل ثلاثة ايام فقط من اجتماع وزراء الخارجية العرب المقرر انعقاده في بيروت, ليعطي مزيدا من المبررات للمتهاونين العرب المندفعين باتجاه التطبيع الآثم والعلاقات غير المبررة مع العدو, وليساهم ثانيا بتنفيس الاحتقان العربي الذي كان مؤهلا للتحول الى فعل ايجابي تجاه السلوك النازي الذي تجلت وحشيته في لبنان مؤخرا, وليؤدي ثالثا الى اتاحة فرصة جديدة (للاراجوز) باراك لممارسة لعبته السمجة المفضوحة عبر المسارات, بحيث لاتربح في النهاية الا اسرائيل وواشنطن ويخسر جميع العرب, وخاصة فلسطين وشعبها وارضها.

Email