من يعاقب من

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحمد عمرابي داخل الكونجرس الامريكي بدأ تحرك يستهدف معاقبة دول (اوبك) .. وهذا غريب من حيث المبدأ ومن حيث السبب المباشر. من حيث المبدأ تعتبر الدول الاعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) في اغلبيتها دولا صديقة للولايات المتحدة . اما السبب المباشر فهو لجوء دول اوبك الى خفض معدلات الانتاج النفطي مما أدى الى تصاعد اسعار النفط العالمية. ووجه الغرابة في هذه الحجة هو ان القطاع النفطي داخل الولايات المتحدة هو احد الاطراف التي تستفيد ربحيا من ارتفاع اسعار النفط. التحرك المتفاعل داخل الكونجرس لمعاقبة دول اوبك يعكس اذن غضب (اللوبي) الصناعي الامريكي الذي لا ينتج الطاقة وانما يستهلكها. ولكن حتى لو جاز (تفهم) العقوبات المقترحة على هذا الوجه فانها سوف تكون ذات مردود معاكس يكون الطرف الامريكي فيها هو الذي يحيق به ضرر. العقوبات المقترحة يتضمنها مشروع قانون تقدم به رئيس لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب. ويقول رئيس اللجنة ان مشروع القانون هذا (سوف يتطلب من الرئيس (بيل كلينتون) قطع المساعدات ومبيعات السلاح عن الدول الاعضاء في اوبك وغيرها من الدول الاخرى الرئيسية المصدرة للنفط المصممة على التدخل في تحديد اسعار النفط بما يضر بالاقتصاد الامريكي) . وقبل ان نناقش مضمون هذا المشروع اجد ان هناك ملاحظة هامشية هي ان الولايات المتحدة اجمالا اذ تواصل وعظ العالم حول مبادئ اقتصاد السوق الحر فانها اول من يخرق هذه المبادئ وما يتفرع عنها من قوانين وكما نرى الان فان المؤسسات الصناعية الامريكية الكبرى, عوضا عن مواجهة التطور السعري على صعيد سوق النفط العالمية على اساس قاعدة الطلب والعرض فانها تلجأ عن طريق اجهزة السلطة الامريكية الى أسلحة سياسية. فمشروعية (اقتصاد السوق) الذي يعتبر امريكيا مبدأ مقدسا تقتضي من المؤسسات الصناعية الامريكية ان تعمد الى تقليص الطلب على النفط عن طريق التقشف في استهلاكه بمثل ما عمدت دول اوبك الى تقليص العرض بخفض معدلات الانتاج. ولنعد الى القضية الاصلية لنتساءل: من يعاقب من؟ اولا.. دول اوبك في اجمالها ليست بحاجة ماسة الى (مساعدات) مالية امريكية.. ثم ان ما تقدمه المؤسسات المصرفية والمالية الى بعض دول اوبك وغيرها من منتجي النفط من مساعدات ليست في الحقيقة مساعدات.. فهي قروض مصرفية تجارية واجبة السداد.. وبأسعار فائدة عالية. واذا توقفت كبرى المؤسسات المصرفية الامريكية عن اقراض الدول النفطية فان تلك المؤسسات ستكون الخاسر الاكبر بينما تتجه الدول النفطية الى مقرضين اخرين. اما وقف مبيعات السلاح الامريكي الى الدول النفطية فان امره اعجب. فلولا عقود الاسلحة الضخمة التي تبرمها بعض الدول النفطية مع شركات صناعة السلاح الامريكية بمئات الملايين من الدولارات في حدها الادنى وعدة مليارات في حدها الاعلى لتوقفت مصانع هذه الشركات جزئيا او كليا. ان امريكا هي المستفيد الاول من عقود السلاح لان هذه العقود اذ تسهم في استمرار تشغيل مصانع الاسلحة الكبرى فإنها تسهم بذلك في تقليص نسبة البطالة في الولايات المتحدة مع استمرار المصانع في خلق فرص وظيفية متجددة. والسؤال الذي يجب ان يطرح هو: الا تدرك الادارة الامريكية هذه الحقائق والمعطيات؟ قطعا تدركها.. وهذا مما يفسر لنا لماذا حرصت الادارة الامريكية على معالجة مسألة صعود اسعار النفط مع منتجي النفط من دول اوبك وغيرها بحذر دبلوماسي بالغ, خال من اي استفزاز. وهذا هو المغزى الذي انطوت عليه جولة وزير الطاقة الامريكي بيل رتشاردسون مؤخرا في دول نفطية كبرى.

Email