ماكين والسجال حول اليمين الجمهوري، بقلم جيمس زغبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما كان هجوم السيناتور جون ماكين على الدور الذي يلعبه اليمين الديني في الحزب الجمهوري حاليا لحظة تاريخية بالنسبة لحملة الانتخابات الرئاسية 2000 فبغض النظر عمن سيفوز بالانتخابات الأولية الحاسمة في السابع من مارس الحالي ومن سيفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية , أصبح دور بات روبرتسون ونوعية الأصولية الدينية السياسية التي يطرحها قضية ستستمر في مناقشتها طويلا. وقد تسبب اقحام روبرتسون وجماعته للأصولية الدينية في السياسة, خلال العقدين الماضيين, بالضرر للحوار الديمقراطي ولصورة الحزب الجمهوري, حيث صبغت هذه النوعية من السياسة الحزب الجمهوري بسمة عدم التسامح والروح البعيدة عن السمو. كانت سياسات (نحن) ضد (هم) المتشددة هي التي ميزت ثورة (جينجريتش) التي لم يطل أمدها, وكانت استبدادية هذه المجموعة ذاتها التي دفعت بقضية عزل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون إلى نهايتها, وطالما أعرب الامريكيون العرب عن عميق قلقهم من هيمنة اليمين الديني على الحزب الجمهوري, فقد كان هذا اليمين هو الذي حول سياسات الحزب الجمهوري بشأن الشرق الأوسط من سياسة تحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة إلى سياسة خطرة تعطي الأولوية المطلقة للدور الاسرائيلي. لقد كانت الطروحات الغريبة لمجموعات روبرتسون هدامة بالنسبة لأي جدال عقلاني, وظلت السبب الرئيسي وراء بروز العديد من المبادرات المناهضة للعرب من داخل الحزب الجمهوري. وهؤلاء المتشددون ليسوا أعداء للكاثوليك فحسب, وهي التهمة التي وجهها إليهم السيناتور جون ماكين بل هم أيضا أعداء للمسلمين, وفي حقيقة الأمر أعداء لأي مجموعة لا تؤمن بالمعتقدات التي يؤمنون بها على وجه الدقة. وطالما دعا المعهد الأمريكي العربي كلا الحزبين مرارا وتكراراً وخصوصا الحزب الجمهوري لأن ينأيا بنفسيهما عن روبرتسون واليمين الأصولي المتطرف. وأشار المعهد أيضا لبعض من أقوال روبرتسون المتزمتة المعادية للمسلمين, وعلى سبيل المثال, ذكرنا ان روبرتسون في اكتوبر 1997 أعرب عن أسفه ازاء حقيقة مفادها ان بعض الأمريكيين الافارقة يعتنقون الاسلام, وقال حينها: (ان رؤية الأمريكيين وهم يصبحون من أتباع الاسلام شيء لا يختلف البتة عن الجنون) . واذكر فيما يلي بعضا من أقوال روبرتسون الأخرى: (ان ثالث أقدس المواقع لدى المسلمين, ما هو إلا نوع من لي ذراع التاريخ, لكن هناك الكثير من لي ذراع التاريخ في النفسية الاسلامية) 22/7/94. (هنالك قدر هائل من الايمان بالقضاء والقدر في الاسلام...) (عندما قلت خلال حملتي الرئاسية بأني لن أعين في حكومتي إلا مسيحيين ويهودا, كنت قد أثرت عاصفة من النيران.. لقد تحداني الاعلام سائلا.. (كيف تجرؤ على الاعتقاد بأن المؤمنين بالقيم المسيحية اليهودية مؤهلون أكثر لحكم أمريكا من المسلمين؟ وكانت اجابتي الواضحة هي: نعم, هم كذلك) . وعلى الرغم من تطرفه, برز اليمين الديني في الحزب الجمهوري خلال العقود القليلة الماضية على نحو كبير نتيجة تنظيمهم القوي على المستوى الوطني فمع بداية التسعينيات أصبح اليمين الديني مسيطرا على أجهزة ثلث الحزب الجمهوري تقريبا. وكان دعم هذا التيار أمرا مهما للمرشحين الجمهوريين إذا ما أرادوا الفوز, وفي المقابل, طالبوا المرشحين بتبني مواقفهم مقابل الحصول على هذا الدعم, الذي يتمثل بالآلاف من المتطوعين وملايين الدولارات التي تأتي على شكل نفقات مستقلة تأييداً لمرشحهم الذي يحظى برعايتهم. لكن المشكلة التي تواجه الجمهوريين الآن, هي ان شعبية اليمين الديني أخذت بالتراجع في صفوف الناخبين, على الرغم من احتفاظهم بقوتهم داخل الحزب الجمهوري, ولهذا فمع استمرار كون الحصول على دعم الاصوليين أمرا مهما ليفوز المرشح باختيار الحزب الجمهوري له مرشحا في الانتخابات الرئاسية فإن دعمهم هذا ومواقفهم قد تضر بالمرشح الجمهوري ذاته حين يواجه نظيره الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية العامة. وهذا القلق من سيطرة اليمين الديني على السياسات الجمهورية والائتلاف الجمهوري هو ما دفع جون ماكين لاتخاذ موقفه ذاك فقد اطلق ماكين اول سهام هجومه بعد الانتخابات الاولية في ولاية ساوث كارولينا, حيث عزا هزيمته في احد جوانبها للمكالمات الهاتفية التي اجرتها جماعة بات روبرتسون متهمة ماكين فيها بالعداء المتزمت للمسيحية. ومن الواضح ان هؤلاء استندوا في اتهامهم له على حقيقة ان رئيس حملة ماكين كان قد ادان اليمين الديني ذات مرة لهجومه على كولن باول عام 1996. يذكر ان ذلك الهجوم الشرس هو ما اقنع باول حينها بالعدول عن ترشيح نفسه للرئاسة. ثم خطا ماكين خطوة اخرى حين اصبح هو من يجري المكالمات الهاتفية لاتهام جورج بوش بقبول دعم اليمين الاصولي ومواقفه المعادية للكاثوليك. وبعد تبادل الاتهامات والاتهامات المضادة بين حملتي الاثنين صاغ ماكين في 28 فبراير الماضي كل وجهات نظره ضمن مطلب واحد والقى خطابه الذي نادى فيه بائتلاف جمهوري جديد يتحرر من سيطرة قادة اليمين الديني المتعصبين, وقد كان اليمين المتعصب هو المسئول عن الهزائم الجمهورية الاخيرة حسب ما ادعى ماكين قائلا: (انني احملهم المسئولية عن بروز نغمة الانعزالية والتزمت وعدم التسامح الامر الذي كلفنا هزائمنا الانتخابية وفقدان التأييد وخيانة رسالة الحزب الجمهوري بأكملها) . وفي خطابه يوم 28 فبراير الماضي شبه ماكين ايضا اليمين المتطرف باليسار المتطرف متهما بوش بوقوعه اسير اقصى اليمين وان ذلك يشكل مقدمة لهزيمة جمهورية اخرى, واضاف ماكين اصدقائي, انا جمهوري ريجاني سيهزم آل جور, لكن الحاكم بوش ولسوء الحظ هو جمهوري روبرتسوني سيخسر. وتمكنت جرأة خطوة ماكين من اثارة الاعلام, واجبرت حملة بوش على محاولة النأي بنفسها عن بعض زعامات وممارسات وافعال اليمين الديني, كما افرزت جدلا وطنيا حول الدور المناسب للدين في السياسة. وللأسف فإن ماكين الذي تعرف عنه كلمته العفوية غير المدروسة لم يتمكن من ان يترك الساحة وهو في احسن حال, اذ مع انه تمكن من دفع بوش نحو المواقف الدفاعية ليعتذر, اشتط ليضيف روبرتسون وجماعته بأنهم (قوى الشر) . وهذا الشطط اللفظي مضافا لبعض الامثلة بفقدان ماكين للصراحة وضبط النفس مؤخرا اعادته مرة اخرى لمواقع الدفاع, واجبرته على الاعتذار عن بعض (الزلات) وبعض الادعاءات المشكوك في صدقها. وحتى هذه اللحظة فإن من غير الواضح من الذي تضرر اكثر نتيجة هذه المجموعة بأكملها من التطورات اذ يبدو انه ربما كان بمقدور بوش الاستفادة من تجاوز ماكين للاعتدال والعودة للوقوف في المركز, وقد اتهم ماكين بأنه هو المرشح السلبي المسئول عن تقسيم الحزب الجمهوري. وهذا مضاف لدعم المؤسسة الجمهورية المستمر لبوش قد يعطيه الفرصة ليفوز بترشيح الحزب له رسميا. لكن ماكين ايضا تمكن من الارتباط بقضية وناخبين لن يفقدهما اذ ان حاجة الحزب الجمهوري للتخلص من الدور المهيمن الذي يلعبه اليمين الديني المتطرف, بهدف التمكن من جذب الناخبين المستقلين والمعتدلين ستستمر في كونها نقطة للجدال بعد انتخابات 2000.

Email