رأي البيان ، منعطف هام

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما يجري من سجال سياسي وتسريبات اخبارية ومؤتمرات واجتماعات على الجبهتين العريضتين للصراع العربي الصهيوني ليس امرا عارضا, بل هو شكل من اشكال حشد القوى وترتيب الاوراق التفاوضية, والحوار بكل الوسائل المتاحة عسكريا وسياسيا, ولذلك فان الارادة السياسية والتمسك بالحقوق والصبر والعض على الجرح اهم اسلحة المنعطف الهام في الفترة الراهنة. وفي هذا المجال تصبح التسريبات الاسرائيلية عن (انجاز اتفاق سلام مع سوريا) ليست امرا عفويا رغم معرفة جميع المتفاوضين بأن هناك نقاطا عالقة قد لا تشكل الا نسبة 10% أو 20% لكن عدم الاتفاق عليها قد يقوض كل العملية التفاوضية. واذا كانت اسرائيل تدرك ذلك فلماذا تقوم بعمليات التسريب؟ انها ببساطة تهدف إلى اعادة شق الصف العربي وتمزيقه بين منشغل بالمسار الفلسطيني وبين مهتم بالمسار السوري اللبناني, خاصة وان مؤتمر وزراء الخارجية العرب المنتظر عقده في بيروت سيضطر إلى الالتزام بمواقف قوية ضد اسرائيل وعمليات التطبيع ومسيرة التسوية ومع الحقوق السورية واللبنانية والفلسطينية وتوحيد الجبهة العربية, وذلك اذا ما ادرك جميع العرب ان اسرائيل تصر على المناورة وخداعهم وابتزازهم والاصرار على التوسع والعدوان بدل السعي إلى تسوية وسلام. وفي الاتجاه نفسه يمكن تفسير كيف ان كل تصريح لمسئول اسرائيلي (أو لمصدر مجهول أو معلوم) عن قرب الوصول إلى السلام يترافق مع تهديدات شديدة بالحرب والعدوان والدمار واحتمالات توسيع الصراع, حيث تهدف هذه التصريحات إلى تخويف الاطراف العربية والضغط عليها لقبول الحلول الاسرائيلية الاستسلامية التي تسعى لفرضها على العرب, كما تحاول ايهام الرأي العام العربي بأن ضياع فرصة السلام والعودة إلى المواجهة لا يقلق اسرائيل المستعدة للحرب. اكثر من ذلك, نزعم ان قرار الكنيست الاسرائيلي باشتراط قبول اغلبية الاسرائيليين للتسوية مع سوريا, لا يشكل ضغطا من قبل المعارضة ضد باراك ومحاولة لاحراجه, لان كل الخبرات الماضية اكدت ان اليهود يختلفون حول كل شيء الا في صراعهم السياسي والعسكري ضد العرب. وعليه فان قرار (الكنيست) سالف الذكر هو ورقة اضافية اعطاها الكنيست لباراك للضغط على المفاوضين العرب والاطراف الدولية المعنية, لكي يقال ان باراك في وضع صعب ولا يمكن انقاذه الا بتنازلات عربية, والدليل على صحة هذا الاستنتاج ان نوابا من الائتلاف الحاكم صوتوا إلى جانب القرار دون ان ينهار أو ينشق الائتلاف. في المقابل فان اصرار المقاومة والمفاوضين السوريين واللبنانيين على مواقفهم, وتوافد عدد من كبار المسئولين العرب الفاعلين على دمشق وبيروت بمن فيهم الرئيس المصري مبارك والامير عبدالله ولي العهد السعودي, ومؤتمر وزراء الخارجية, واحتمالات القمة.. كلها أوراق تدعم المفاوض العربي. هي اذن لحظة صمود وصلابة وحشد للاوراق, وهو منعطف هام بين احتمال نجاح تسوية (العدل النسبي) أو الهيمنة الاسرائيلية, أو اعادة تسخين الصراع وضياع حلم كلينتون في (الشرق الاوسط) وفرصة تسوية في ظروف لن تشهد اسرائيل افضل منها على الاطلاق.

Email