المرأة الخليجية والحق السياسي، بقلم فوزية رشيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الآن وقد تغير الكثير من معايير الزمن المعاصر دفعة واحدة... تغيرت بين سلبي وإيجابي, وبين ما هو في صالح الحضارة الانسانية أينما كانت, وبين ما هو يمثل ارتدادا أو وقوعا في خلق متطلبات بشرية تسودها وتحكمها المصالح الانانية والعنف . بين هذا وذاك تختط البشرية وتخطو تجاه ما هو في صالحها وينبىء عن استمرارية بقائها. هذا الوجود وهذا البقاء تحت قانون التطور والتطوير, وهو ما يفرض على الشعوب الانسانية ان تأخذ افضل ما وصلت اليه شعوب انسانية اخرى سبقتها في الوصول الى مفاهيم ومبادىء انسانية هامة, ويقف على رأس تلك المبادىء قانون حقوق الانسان ومبادىء الديمقراطية. وحقوق الانسان تعني حقوق الجنسين ومساواة المرأة بالرجل في الحقوق المدنية والسياسية والمهنية وغيرها... ولعل ما يسهم في تبادل الخبرات الانسانية المعاصرة هذه الثورة الاتصالية والمعرفية وسهول انتقال الافكار من بلد الى آخر كنتيجة للثورة المعلوماتية والتكنولوجية التي تسود زمننا. معيار الكفاءة ان المرأة الخليجية لا تقل في مستواها عن المرأة العربية ولا عن المرأة في بلدان العالم الاخرى بما فيها تلك المتقدمة, بل تضيق الهوة تماما حين تتاح الفرص المناسبة لتطوير الانسان وتطوير كفاءته. واليوم نحن نرى ان الكثير من بلدان العالم الثالث بما فيها الآسيوية وجنوب شرق آسيا, بل والمرأة في بعض البلدان الغربية والاسلامية كإيران, تحظى بكل الامكانات للتعبير عن قدرتها الفكرية والسياسية والقيادية, دون ان ترى في ذلك الاحتفاء أو في مشاركتها في صنع القرار ما يخالف العقيدة والدين الاسلامي. والمرأة في الخليج تتطلع مثل غيرها في البلدان الاخرى الى ان تتبوأ مركز الصدارة في كل مكان ما دامت مشفوعة بالكفاءة والعلم, وطالما هي اثبتت في بلدان اخرى كفاءتها السياسية كزعيمة وكفاءتها الفكرية حين تكون في موضع المعارضة والامثال على ذلك كثيرة. واليوم ونحن نرى ان المرأة القطرية قد خطت الخطوة الاولى حين شاركت هذا العام في انتخابات المجلس البلدي للمرة الاولى, رغم فشلها في الحصول على مقاعد في المجلس, الا ان السنوات المقبلة وتكرار التجربة تجعل مشاركة المرأة مشاركة مألوفة. المرأة العمانية دخلت قبل خمس سنوات مجلس الشورى, والقوانين ساوتها في الحقوق والواجبات منذ العام 1970, رغم ان الوعي السائد لم يكن متقبلا في البداية لهذا الشكل من البروز النسائي في الحياة السياسية وفي صنع القرار السياسي. والكويتية بحكم القرار الأميري اصبح بالنسبة لها عام 1999 هو عام القرار والبداية التي ستنطلق منها في عام 2003, حين يأتي موعد الانتخابات المقبلة, وربما يكون البرلمان الحالي في الكويت هو آخر البرلمانات التي تخلو من الحضور النسائي في الكويت, رغم معارضة (جمعية الاصلاح الاجتماعي) لذلك ومحاكمة مشاركة المرأة الكويتية المقبلة محاكمة أخلاقية ضعيفة. كان مستغربا ذلك الموقف المتشدد من اسلاميي الكويت ضد القرار الأميري, بحجة عدم دستوريته وعدم ملاءمته للاوضاع الاجتماعية في الكويت التي لا تسمح بمشاركة المرأة في الجانب السياسي, وكأن الرأي الحقيقي خلف ذلك هو الشعور بدونية المرأة وعدم احقيتها في المشاركة اكثر من كونه مجرد اعتراض دستوري. المستقبل لها ان البلدان الخليجية التي لم تتح بعد بشكل فعلي وقانوني مشاركة المرأة السياسية هي اليوم في حكم الاستثناء. ولعل الطريق بات اكثر انفتاحا في دولة الامارات التي لمح مسئولون فيها اكثر من مرة لقرب مشاركة النساء الاماراتيات في صنع القرار السياسي... وكذلك بالنسبة للبحرين التي تعد المرأة فيها مهيأة منذ زمن لمثل هذه المشاركة التي أصبحت اليوم شيئا مألوفا في الكثير من بلدان العالم المتقدمة والمتخلفة... الاسلامية والعلمانية, دون ان يتعارض ذلك مع العقيدة والدين, اللهم الا من يرفعون العقيدة كشعار سياسي يقف في الكثير من الاحيان ضد حصول المرأة على حقوقها الانسانية الخاصة والعامة, رغم ان القيادات العربية والاسلامية تجد نفسها امام مفترق طرق يدفعها الى الانفتاح على الفكر الديمقراطي العالمي السائد, والذي لا يتعارض في جوهره مع جوهر وروح الاسلام أو روح العقيدة أو حتى مع مجمل الاوضاع الاجتماعية في تلك البلدان العربية والاسلامية, حيث ان المرأة تشارك في كل المجالات الاقتصادية فيها مشاركة فعلية, وتشكل نسبة لا يستهان بها في الوظائف والمهن وفي صنع كيان المجتمع والمساهمة في تطويره. ان حق الاقتراع والتصويت وحق الترشيح هو اليوم من بديهيات المشاركة النسائية في اغلب بلدان العالم... تساقطت امامه كل الحجج النظرية الواهية حول المرأة ونقصها وعدم كفاءتها مثلما اثبتت الناحية العملية ذلك... بل ان المرأة اليوم مرشحة لتكون رئيسا لأقوى دول العالم وهي امريكا, اذ ان مؤشرات الرأي العام فيها تؤكد تمتع (هيلاري كلينتون) في حال ترشحها بإمكانية نجاحها في ذلك نجاحا ربما يكون ساحقا. سبق ذلك نجاح المرأة في اوروبا وأمريكا وافريقيا وآسيا لتصبح نائبة ووزيرة ورئيسة. أنديرا غاندي حكمت الهند سنوات طويلة وواجهت كل التحديات بجدارة وكفاءة لا ينتقص منها احد. كوروزان أكينو, تدرجت من زعامة الحركة الديمقراطية ضد حكومة ماركوس الاستبدادية قبل ان تصل الى الحكم في الفلبين. كذلك تشهد وضعية المرأة سياسيا كفاءة وقدرة مثلما الوضع في بورما حيث تقود (أونج سان سوتشي) الحركة الديمقراطية ضد الحكم المطلق هناك... وفي بنجلاديش واندونيسيا تقود المرأة احزاب المعارضة بجدارة وتتمتع بثقة رجال تلك البلدان واعترافهم بكفاءة المرأة سياسيا. كذلك في تركيا والهند الى جانب بعض التجارب النسائية في بعض البلدان العربية التي اثبتت كفاءة المرأة في المراكز العليا وفي خوض المعارك والنضالات كوجه للمعارضة الدؤوبة والقوية, واستلامها للمراكز الادارية والقضائية والمناصب العامة والحساسة دون ان يكون ذلك مؤشرا لأي انهيار اخلاقي او اجتماعي او سياسي, كما يقول بعض المحافظين المتشددين, كما حصل في الكويت, حيث أرادوا بكل طريقة ولسنوات عديدة تأخير مشاركة المرأة وحصولها على حق الانتخاب والترشيح مثلها مثل الرجل والحكم بينهما هو الامكانات والكفاءة والعلم ولا شيء آخر. تطلع مشروع ان النساء في الخليج يتطلعن مثل غيرهن في البلدان الاخرى الى التمتع بالحقوق الانسانية على اساس الكفاءة لا الجنس, والى حياة مختلفة في قرن مختلف وألفية ثالثة, تتساوى فيها الاناث مع الذكور في الحقوق الانسانية المشروعة, طالما انها تمثل نصف المجتمع في كل مكان, وربما حصولها على حق المساواة سياسيا يعتبر من اهم حقوقها اليوم لأنها النصف الآخر الذي اصبح اليوم ناضجا, ولأن الحركة الانسانية في العالم كله تندفع اليوم نحو مساواتها, بعد قرون طويلة من التهميش والاضطهاد والقمع وممارسة اشكال العنصرية ضدها كنوع دون وجه حق, الا التشبث ببعض النظريات المهترئة والتي لا تتفق في جوهرها لا مع الاديان ولا مع حركة تطور التاريخ ولا مع الامكانات التي وصلت اليها المرأة عبر تحديات ونضالات طويلة. ولعلي ككاتبة بحرينية اتمنى ان تحصل المرأة البحرينية على حقوقها الكاملة وان تحوز على حق الانتخاب والترشيح, لأن المجتمع البحريني مهيأ وناضج لاستقبال تجربة ديمقراطية حقيقية خاصة ونحن امام عهد جديد وفي مفترق طرق بين قرنين, وقد اوشكنا على الدخول في الالفية الثالثة التي ترى كل التحليلات انها ستكون ألفية مختلفة تماما عما سبقها, وان المرأة في كل مكان ستكون في وضع مختلف, وضع قيادي وبارز في كل المجالات, وان المجتمعات التي تتخلف عن ذلك ستكون مجتمعات شاذة لن تجد لها مكانا في صنع الزمن المقبل وهو زمن يدعو الى الانفتاح على التجربة الانسانية المثمرة في بناء مجتمع راق ومتقدم يحظى فيه الانسان بجنسيه بكامل حقوقه الانسانية المشروعة. والانفتاح على الديمقراطية العالمية هو اول الطريق لمثل ذلك البناء, خاصة امام التطور الفكري والعلمي والتكنولوجي والسياسي والاقتصادي في كل جهات الارض... ولعل ذلك ما يدفع القيادات الناضجة الى السير في طريق التوفيق المشروع بين الشريعة الاسلامية وبين المبادىء الديمقراطية والانسانية. ودخول المرأة الخليجية في المعترك السياسي هو تحريك لكل الفاعليات الانسانية في الخليج, وتحريك للاجواء السياسية والاجتماعية الراكدة عند معطيات معينة آن الاوان لتجاوزها وفتح الابواب امام حياة اكثر انفتاحا وتطورا في عالم الثورة المعلوماتية والتكنولوجية والعلمية, وترسيخ اكبر لأنظمة ترى ان الانفتاح على الفكر البشري المتطور لا يؤثر عليها, ما دام الهدف الاخير للحكومات والمواطنين هو تطوير واقعهم السياسي والفكري والاجتماعي والمشاركة المتبادلة في بناء المجتمع والوطن. * كاتبة بحرينية

Email