التسوية في ميزان اليسار الوطني القومي الواقعي، بقلم نايف حواتمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

اثير في الفترات الاخيرة عدة مواضيع تتعلق بموقف اليسار الوطني الفلسطيني من التسوية السلمية معتبرا البعض بان هناك شيئا جديدا وتحولا في الموقف السياسي التاريخي لقوى اليسار, بينما يعتبر البعض بان اليسار الفلسطيني واحد وموحد . ولعلم شعبنا والعرب والعالم اننا لا نستطيع الحديث عن اليسار الوطني ـ القومي الفلسطيني باعتباره كتلة واحدة متجانسة, او تيارا موحدا منسجما في الرؤية والبرنامج الاستراتيجي والتكتيك المرحلي. فاليسار في الساحة الفلسطينية تاريخيا وعبر المسيرة المعاصرة للثورة ومنظمة التحرير والانتفاضة يشكل اكثر من رؤية واتجاه على خارطة طيف فلسطيني سياسي وجماهيري عريض, التيار الرئيسي فيه طرح برنامجه ومبادرته عند كل منعطف في حياة الشعب والوطن على قاعدة ثورية يسارية واقعية وعقلانية وملموسة للخارطة الفلسطينية والعربية دولا واحزابا, والبعض الاخر عاش واستمر على طرح مواقف جامدة لا تتجاوز الشعارات العامة دون اشتقاق برامج عملية, او متطرفة موضوعيا تصب في طاحونة اليمين واقصى اليمين, وعلى قاعدة تاريخية شهيرة عرفتها حركات التحرر الوطني في القرن العشرين (اقصى اليسار القومي او الاممي حزبه اليمين) . لذا فمواقف القوى التي تدعى لنفسها الانتساب الى قوى اليسار من قضايا التسوية, كانت متباينة من الشعار اللفظي الثوري, الى درجة التطرف ورفض منطق ومبدأ التسوية والمفاوضات عند البعض دون تمييز بين تسوية اوسلو مثلا وتسوية قرارات الشرعية الدولية, او التنظير لحلول تفاوضية فقط بدون جعله مقاوما بأشكاله المتعددة, بينما تمايزت الجبهة الديمقراطية بطرح مواقفها على اساس السعي لاحداث تغيير تراكمي في ميزان القوى وشق الطريق نحو تسوية متوازنة تقوم على اساس الشرعية الدولية الضامنة حق شعبنا بتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس بحدود 4 يونيو 1967 (وفق القرارين ,242 338) وعودة اللاجئىن والنازحين (وفق القرارين ,194 237) مقابل السلام المتوازن في هذه المرحلة في مسار الصراع العربي والفلسطيني ـ الاسرائىلي التوسعي الصهيوني. من هنا كنا في الجبهة الديمقراطية القوة الرائدة في طرح استراتيجية المراحل في العملية الوطنية ـ القومية والاخذ بمبدأ المفاوضات على اساس المرجعية الدولية وقرارات الامم المتحدة. اننا نستند الى دروس تجربة صلاح الدين الايوبي في مواجهة الغزو الاستيطاني الاقطاعي الاوروبي لفلسطين والشرق العربي قبل وبعد تحرير القدس في حطين الكبرى, وتجارب حركات التحرر الوطني في القرن العشرين من فيتنام الى الجزائر وجنوب افريقيا (راجع كتاب حواتمه: اوسلو والسلام الآخر المتوازن 1999). لكن ما يجري الآن من تسوية لا علاقة له بالسلام الشامل المتوازن القائم على اساس المرجعية الدولية, فسلام مدريد ـ اوسلو مثقل بزحف غول الاستيطان ومصادرة الارض, وتكثيف وتسريع تهويد قلب القدس وقفل دائرة التهويد حولها بمدينة (وليس مستوطنة فقط) جبل ابو غنيم, وبالاشتراطات التوسعية الاسرائىلية والضغوط الامريكية ولا جامع بينه وبين قرارات المرجعية الدولية ومظلة الامم المتحدة. ان الدخول على معترك التسوية المتوازنة يعزز مواقع كل الحركة الوطنية الفلسطينية اذا تمت على اساس المرجعية الدولية بانسحاب المحتلين المستوطنين من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة الى ما وراء خطوط 4 يونيو ,1967 وببساطة لاننا ايضا دعاة سلام الشرعية الدولية عملا ببرنامج منظمة التحرير الائتلافية الوطني المرحلي منذ عام 74 وقمة الرباط العربية 1974 والقرارات الدولية. ودخول سوريا ولبنان ودول الطوق عملية التسوية على ذات القاعدة يعزز موقف الطرف الفلسطيني ويشكل خطوة نحو تصحيح مسار العملية التفاوضية اللامتوازنة والمفككة منذ مدريد (91) وحتى الان حيث لا ترابط بين مسارات التفاوض, وفرض سياسة الخطوة خطوة الاوسلوية على المسار الفلسطيني ـ الاسرائىلي. وباختصار شديد, فان المتغيرات الاقليمية يجب ان تكون ملحوظة عند الجميع خاصة القوى الحية, لكن هناك فارق كبير بين استيعاب المتغيرات والبناء النضالي والسياسي والبرنامجي وبين الانحناء للضغوط الاقليمية من هذا الطرف او ذاك. ان الالتباسات التي ترد احيانا عند بعض المتابعين من السياسيين واصحاب القلم تتطلب التصحيح بالوقائع والتواريخ, فالجبهة الديمقراطية راكمت مواقفها ورؤيتها السياسية منذ عام 1973 حين دعت لحلول الشرعية الدولية, وبالتالي فسياستنا كانت ومازالت مترابطة الحلقات خاصة في السنوات الاخيرة وعليه صدرت قرارات المجلس الوطني الفلسطيني قبل (12) يوما من مدريد والتي (اشترطت) نصا ضمانات امريكية سوفييتية (بوقف الاستيطان قبل بدء مدريد) , وعليها رفضت الجبهة الديمقراطية اسس مدريد 1991 واوسلو حتى الان. نحن قاطعنا ورفضنا المشاركة في مؤتمر مدريد في اطار الوفد الفلسطيني لأننا تمسكنا بقرارات المجلس الوطني التي كانت قد صدرت لتوها قبل افتتاح المؤتمر بأيام قليلة, بينما ذهب جناح اليمين ويمين الوسط في منظمة التحرير الى مدريد على انقاض قرارات المجلس الوطني التي حددت الاشتراطات الواقعية الفلسطينية للمشاركة في مؤتمر السلام طبقا للمعايير ذاتها التي شاركت فيها مختلف الاطراف. نحن كنا منذ مدريد واوسلو ولا زلنا نميز بين مرحلة ما قبل 4/5/1999 حيث سياسة ومسار اوسلو القائم على الخطوة خطوة وبدون المرجعية الدولية, وبين مرحلة تالية يتم فيها الحديث عن حلول الوضع الدائم التي تتطلب استعدادا فلسطينيا آخر, وبناء جديدا للتسوية على اساس قرارات الشرعية الدولية, لذا جاء بيان القاهرة (23 اغسطس 1999) بين وفدي حركة فتح والسلطة من جانب والجبهة الديمقراطية من الجانب الآخر ليعبر عن استعدادنا للمشاركة في مفاوضات الحل الدائم على اسس جديدة تقطع بين مسار اوسلو والمفاوضات الجديدة التي تحددت اسسها السياسية ومرجعيتها بقرارات الشرعية الدولية (بيان القاهرة 23 اغسطس 99) وتحت سقف اشراف وقيادة المرجعية الوطنية الائتلافية في اطار منظمة التحرير الواحدة الموحدة, وليس في اطار السلطة الفلسطينية التي تشكل جزءا من الحركة السياسية الفلسطينية على جزء من الارض وجزء من الشعب. من هنا لم نقل شيئا جديدا, بل راكمنا الموقف السياسي والرؤية ذاتها في سياق مترابط. ومن هنا لا صحة ولا مكان لأحاديث من نمط المشاركة بالمفاوضات تحت ظروف اقليمية. من جانب اخر, فحين نتحدث عن تسوية متوازنة تقوم على اساس المرجعية الدولية, نعلن ونكرر بان التسوية المتوازنة تستوجب استحضار كل قرارات الشرعية الدولية خاصة القرار (194) الخاص بحق اللاجئىن في العودة والخاص بالقدس (,242 ,252 478), والاستيطان (465). وبيان القاهرة (23 اغسطس 1999) نص حرفيا على (حل قضية اللاجئىن على اساس القرار 194 الذي يضمن حق العودة) ان قضية اللاجئىن والنازحين والشعب الفلسطيني في الشتات تمثل جوهر القضية الفلسطينية واحدى القضايا الشائكة التي لا يمكن بدون ايجاد الحلول لها على اساس المرجعية الدولية ان تستقر المنطقة او ان تنجح اي تسوية في الشرق الاوسط. فقضايا الشتات الفلسطيني مثلها كقضية القدس والاستيطان والحدود والدولة المستقلة قضايا ساخنة وقابلة للانفجار في اية لحظة. فلا سلام ولا امن ولا استقرار في الشرق الاوسط بدون عودة اللاجئين. من هنا اشير بان قضية اللاجئىن وحق العودة كانت حاضرة على طاولة حوارات وبيان القاهرة, وقضية اللاجئىن من القضايا الكبرى التي تجاهلها اوسلو, وصارعنا ست سنوات ضد اهمال حق اللاجئىن بالعودة الى ان نجحنا في القاهرة على تثبيت القرار 194 كواحد من ابرز قرارات القاهرة لتصحيح المفاوضات الشاملة وعندما ندعو لمفاوضات الشرعية الدولية للحل من هذه المرحلة فاننا نعني بشكل مباشر استحضار قرارات الامم المتحدة ومنها القرار (194) الخاص بحق العودة للاجئىن والقرار (237) الخاص بحق النازحين بالعودة بدون قيد او شرط. فضلا عن ان اوضاع الشتات الفلسطيني وعلى الاخص فوق الارض اللبنانية كانت مدرجة على جدول حواراتنا في القاهرة بدون قيد ولا شرط. ان المستجدات في مواقفنا تجاه اللاجئىن تشير الى اصرارنا على ضرورة استحضار القرار (194) الى طاولة مفاوضات الحل الدائم وانهاء لجنة اللاجئىن في المفاوضات متعددة الاطراف فهذه اللجنة لا مهمة حقيقية لها سوى البحث عن الحلول الانسانية لقضية اللاجئىن في اطار التأهيل والتهجير والتوطين بعيدا عن حق العودة.

Email