خط مباشر: اخلاقيات غربية، أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرة اخرى يثار الجدال في الصحافة الغربية حول (قتل الرحمة) اي مساعدة المريض الميئوس من شفائه على انهاء حياته اذا ابدى مثل هذه الرغبة بصورة جادة, ومثار الجدل هو ما اذا كان تقنين مثل هذا الفعل سيؤدي في المدى البعيد الى تقنين الانتحار بصورة عامة.. وبالتالي تشجيعه حتى بين من لايشكون من داء جسدي عضال , غير ان التساؤل الاهم الذي يجب ان يستأثر بالاهتمام الاعظم هو: الى اي مدى يمكن للمجتمعات الغربية ان تولي ظهرها للعقيدة الدينية كمرجعية اخلاقية عليا للقيم السلوكية مع اعتماد تقديس الحرية الشخصية الفردية كمرجعية بديلة. (قتل الرحمة) لم ينتشر بعد كظاهرة عامة في الغرب, لكن الشواهد التي تلوح حتى الآن تفيد بأنه سوف يصبح ظاهرة مستقبلية, فقد جرى تقنينه في هولندا واحدى الولايات الامريكية, والتشريع القانوني الذي صار نافذا في هاتين الحالتين يتضمن بنودا شرطية منها ان يقرر اكثر من طبيب اخصائي ان حالة المريض الذي يطلب انهاء حياته هي من الخطورة بحيث انها ميئوس منها نهائيا وان المريض في حالة عقلية تسمح له باتخاذ قرار مصيري كهذا. على ان المسألة المحورية التي اقتضت اصدار التشريع القانوني هي ان انهاء الحياة لمريض لايرجى شفاؤه (حق) يدخل ضمن قائمة بنود حقوق الانسان الاخرى, المبدأ اذن هو, بكلمات اخرى ان المواطن اذ يتمتع بحق الحياة بموجب مواثيق حقوق الانسان فانه يجب ان يتمتع ايضا بحق الموت اذا توصل الى قناعة مدعومة طبيا بان الحياة بالنسبة الى حالته لم تعد جديرة بان تعاش! هنا نأتي الى لب المسألة الجدلية: ان (قتل الرحمة) , مهما اجتهد وبالغ المتحمسون له في تزيينه وتبريره والتفنن في تسويقه كعمل انساني, يبقى في نهاية المطاف نوعا من الانتحار. ولكن رغم ذلك ازيلت عن طريقه العوائق القانونية في هولندا مع بقاء الانتحار فعلا اجراميا في نظر القانون الجنائي. ولن يمضي وقت طويل حتى يعم تقنين (قتل الرحمة) الدول الغربية كلها او معظمها, واذا حدث ذلك فان الخطوة التالية ستكون ضغوطا متجددة من جماعات حقوق الانسان تطالب بتقنين الانتحار بوجه عام عن طريق الغاء القوانين الجنائية التي تجرمه. لم لا وقد جرى تقنين (قتل الرحمة) على اساس مبدأ اقرار حرية الشخص في وضع نهاية لحياته اذا اقتنع بان ما تبقى منها لن يجلب له الا المزيد من التعاسة والألم الى ان يموت.. في حالة انه يعاني من داء لا شفاء منه؟ قياسا على نفس المبدأ سوف يحاجج قادة جمعيات حقوق الانسان بان حالة التعاسة التي تؤدي الى اليأس من الحياة لا يجب ان تكون بالضرورة حالة (بيولوجية) .. فلماذا يجرم القانون مثلا حالة شاب يعاني من مرض نفسي خطير بسبب البطالة او الوحشة او الصدمة في الحب يقرر ان ينهي حياته فينتحر؟ (حق الانسان) في الموت اذن سوف يتسع نطاقه ليسمح بانتقال الانتحار بعيدا عن دائرة التجريم القانوني.. فدائرة الاستهجان الاجتماعي.. واخيرا دائرة العقيدة الاخلاقية الدينية فالانتحار فعل محرم في الديانة المسيحية بكل مذاهبها وطوائفها المعاصرة. ولننظر للوراء ونتساءل: كم من رذيلة محرمة دينيا في المجتمعات الغربية المسيحية جرى تقنينها كفعل مباح باسم الحق (المقدس) للحرية الشخصية ومواثيق حقوق الانسان؟ القائمة بلا حصر: هناك الزنا والشذوذ الجنسي والزواج بين مثيلي الجنس.. ومهنة الدعارة التي تصنف كنشاط تجاري مشروع. ويبقى السؤال الاخير.. الى اين تنتهي المجتمعات الغربية وهي تمضي على طريق اسقاط القيم السلوكية النابعة من العقيدة الدينية تحت شعار (الحرية الفردية) ؟

Email