أبحديات: بقلم عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما كنا على مقاعد الدراسة قالت لنا معلمة التربية الاسلامية: إن الاثراء عن طريق استغلال النفوذ الوظيفي حرام شرعاً, واوردت لتأكيد كلامها حكاية الرجل الذي ولاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) على أحد البلدان ثم سمع مالا يسر عنه فاستقدمه ليحاسبه وفقا لمبدأ من أين لك هذا ؟ فقال الرجل هذا لكم (يعني لبيت مال المسلمين) وهذا اهدي الي! فما كان من الرسول الا أن صادر كل ممتلكات الرجل التي حصل عليها أثناء توليه الوظيفة قائلا: أفلا جلست في بيتك ونظرت أكان يهدى إليك أم لا؟! نورد هذه الحكاية ونحن نطالع تطبيقا واقعيا لها ليس في بلاد العرب والاسلام وانما في (اسرائيل) والمحاسب ليس وكيل وزارة سابق او مدير ادارة وانما رئيس وزراء ملأ الدنيا ذات يوم وشغل الناس. ليس مهما كيف ولكن نتانياهو كان حديث الشارع وقوت وسائل الاعلام والرجل الذي لم يهنأ له نوم ليلة واحدة الا بعد ان يكون قد رفع ضغط كل القاطنين في اسخن مناطق العالم وأكثرها خلافا وتأزما وخلال اربع سنوات متواصلة! نتانياهو هذا تحول بين ليلة وضحاها من زعيم سياسي الى لص تداهم الشرطة منزله كأي (حرامي) وتفتش اكثر المخابئ سرية فيه لتصادر منه (العديد من المواد باهظة الثمن بما في ذلك لوحات وفضيات وتحف ذهبية حصل عليها اثناء عمله كموظف لدى الحكومة واحتفظ بها بصورة مخالفة للقانون) ذلك ما أكدته (ليندا مينوهين) الناطقة باسم الشرطة الاسرائيلية. التهمة الثانية الموجهة لرئيس الوزراء الاسرائيلي السابق هي الضلوع في عمليات فساد واستخدام أموال عامة لاهداف شخصية تتعلق باشغال نفذها في منزله الخاص متعهد يدعى أفنيراميدي (مجاناً) مقابل امتيازات معينة (وعده بالحصول على رخصة بناء أسواق عامة) كما رفع اتعابه التي قدمها الى مجلس الوزراء قبل انتخابات عام 1999 الاخيرة. (اسرائيل) تسرق العالم لكنها لا تتسامح مع من يسرقها حتى وان كان أحد أهم رموزها والمتفانين في خدمتها, لسبب بسيط هو أن ما كان يقوم به نتانياهو اثناء عمله كان جزءا من مهامه وكان يتقاضى عن ذلك الجهد والتفاني راتبا وامتيازات, ماعدا ذلك فلا شيء يخوله ان يسرق المال العام أو يستغل وظيفته حتى وان كان هذا الاستغلال لا يتعدى الاحتفاظ بلوحة فضية أو ساعة يد ذهبية أو حتى ربطة عنق! فحتى هذه الاشياء تعتبر ممتلكات عامة حصل عليها لأنه رئيس وزراء (اسرائيل) وليس المواطن العادي نتانياهو. هذه واحدة من الاشارات التي يجب ان ننتبه اليها ونحن نطالب بحرية الصحافة, ذلك ان مؤسسات الرقابة على المال العام ومؤسسات ملاحقة الفساد الاداري والمالي لدى كبار المسئولين وصغارهم والقضاء المستقل.. وغيرها منظومة لا تتجزأ, كلها في النهاية تصب في مجرى صناعة غالية جدا اسمها حرية الصحافة. لا نريد ان يصل بنا الأمر حد الانبهار باعدائنا فهذا هو السقوط ذاته ونحن نعلم ان (الديمقراطية اليهودية) احد اوهام الدولة العبرية التي يروجها الاعلام الصهيوني العالمي, لكن الحق يجب ان يقال.. فليس مطلوب من عدوك ان يكون ديمقراطيا معك لكنه على الاقل ديمقراطي مع نفسه ومتصالح مع مكتسباته ومؤسساته.. نحن لا نريد ان نكون ديمقراطيين مع العدو, نريد ان نكون كذلك في الداخل.. فهل سيأتي يوم نرى فيه مسئولا يحاسب لأنه حصل على هدايا عن طريق وظيفته واحتفظ بها بشكل غير قانوني ولم يعدها للحكومة عندما ترك الوظيفة؟

Email