مع الناس: بقلم عبدالحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بما ان حالنا مع حرية الصحافة مثل راكب الأسد الذي هو من مركبه اخوف, فإن ثمة ضمانات مطلوبة للصحفيين والمسئولين على السواء بحيث يستطيع الطرفان ممارسة حرية الصحافة والتعامل معها على اسس موضوعية وواضحة, وبحيث تحفظ هذه الضمانات كرامات الناس والمسئولين والصحفيين معا, وتعطي لكل ذي حق حقه وبعدالة ومن دون اي تعسف من طرف ضد آخر . من دون هذه الضمانات فليس المسئولون وحدهم في حالة خوف من حرية الصحافة, بل ينبغي للصحفيين ايضا ان يكونوا في حالة خوف من هذه الحرية وعليها, اذ لدينا كمثال حالة عبدالله البواردي التي وصلت الى المحاكم من دون ان يجد محاميا يقبل الدفاع عنه, خاصة بعد انفضاض محامين عنه, فلم يتبق معه الا مشاعر التأييد همساً, بما في ذلك التأييد المطلوب (ظالما او مظلوما) من الصحف التي يهمها في المقام الاول حرية الصحافة. وهكذا فان المطلوب الانتقال بحرية الصحافة من كونها حدثا عابرا او نزوة او زوبعة في فنجان او موسما الى كونها حالة طبيعية في المجتمع وحالة دائمة ومقننة, ولاشك ان ما تقوم به بعض صحافتنا المحلية حاليا من ممارسة لهذه الحرية بشكلها الوليد, مهم في سياق إحداث مثل هذا التطور, ويبقى على الصحف نفسها احداث هذه النقلة النوعية في مسار اعلامنا الوطني, باعتماد الصدق والاتزان مع حرية صحافية مسئولة على قدم المساواة. طبعا حرية الصحافة مما نجده في بلدان عريقة بممارسة الحريات بأشكالها جاءت عن طريق تطور بنى مؤسسات المجتمع المدني وقوانينه, وارتباطها بشروط هذا التطور, كوجود برلمانات منتخبة وهياكل مؤسسات وانظمة وقوانين بالحقوق والواجبات وتطور القضاء واستقلاله وفصل السلطات وما الى ذلك من شروط تطور لا نكاد نلمس لها اي اثر في وطننا العربي, ما يفسر عندنا, لا التخلف وحده, بل ضياع الحقوق التي منها حق ابداء الرأي الواسع, ليس الا حرية الصحافة غدير من غدرانه. مع ذلك فإن حرية صحافية معقولة الهامش يمكنها ان تساهم بدورها في تطوير بنى المجتمع وصولا به الى دولة المؤسسات والقانون, فتحرز بذلك نصرا لها, كما للمجتمع, فيما لو سمح لهذه الصحافة ان تمارس مثل هذا الدور في خضم الحديث عن حرية صحافية, ذلك لان حرية الصحافة لا تعني فحسب توجيه النقد واللوم, فالمطلوب هو الارتقاء بأفعالنا وبمجتمعنا الى موقع حضاري يجعلنا نستطيع تحمل أعباء الحرية من دون خوف. وهكذا فان حرية صحافية مسئولة سوف تنتقل بالضرورة وبسرعة من نقد ومناقشة اداء الوزارات وما تقدمه من خدمات للناس للعمل على حل مشكلاتها, الى صميم ما يعتري المجتمع من مظاهر وهن وما يمكن ان يشكل خطرا على اسسه في المستقبل, كغياب المشاركة الشعبية عبر المجالس المنتخبة وتضارب المصالح الاقتصادية وما الى ذلك, فهل نحن احرار في الولوج من هذا الباب لكي نعترف حقا ان لدينا حرية صحافة؟ السؤال غير موجه للمسئولين في الوزارات فهؤلاء, خاصة ممن يخشون اتساع هامش الحرية, لا تهمهم حرية الصحافة في شيء, بل الى الصحفيين والاعلاميين انفسهم, ممن عليهم واجب ممارسة الحرية بمسئولية وتنظيم صفوفهم وتقنين حقوقهم وحقوق غيرهم, قبل ان يمر موسم حرية الصحافة كحلم صيف او كرشة غيث عابر...

Email