خط مباشر : الاسلاميون وروسيا ، بقلم احمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

... اجل شعوب القوقاز المسلمة لها الحق كل الحق في تقرير مصيرها حتى لو كان ذلك يعني الانفصال الكامل عن روسيا وقيام جمهوريات اسلامية ولكن هل من مصلحة شعوب العالم الاسلامي عامة على المدى الاستراتيجي البعيد ان تخسر روسيا؟ في الشيشان وداغستان ثورة مسلحة تتكون فيالقها القتالية من اسلاميين راديكاليين على مستوى القيادة والكوادر معا وتهدف الى فصل البلدين عن روسيا لاقامة دولة اسلامية. ومشكلة الثورات الدينية عامة هي غلبة الحماسة المشبوبة على التخطيط الاستراتيجي. ولو تفكر القادة الثوريون في الشيشان وداغستان في المشهد الروسي الداخلي من خلال المشهد الدولي لربما توصلوا الى قناعة بوجوب اعادة النظر في مواصلة الثورة المسلحة. في روسيا صراع معقد بالغ الشراسة بين قوى سياسية يسعى كل منها الى تحديد مصير الدولة بصورة نهائية. ومع تنوع التوجهات التفصيلية لهذه القوى السياسية فانه يمكن تصنيفها اجمالا الى تيارين: تيار يعمل لحساب الغرب والولايات المتحدة تحديدا لابقاء الكيان الروسي كيانا مهترئا سياسيا, مهلهلا اقتصاديا... لا مستقبل له ولا امل في ان يتحول الى قوة عظمى منافسة للقوى الرأسمالية الغربية. هذا التيار يمارس نشاطه تحت شعارات مثل (الاصلاح الاقتصادي بموجب نظام اقتصاد السوق) وتوفير الحريات السياسية. وقوام هذا التيار حفنة من المليارديرات الذين كانوا يحتلون مناصب بيروقراطية وحزبية عليا على عهد الاتحاد السوفييتي فقرروا في لحظة تاريخية حاسمة الانفصام عن الاشتراكية ووضع انفسهم تحت خدمة الغرب الرأسمالي. وبذلك كوفئوا بالاستفادة من برامج الخصخصة فصاروا اصحاب شركات وبنوك كانت تابعة للدولة في العهد السوفييتي. اما التيار الآخر فيمثل المعارضة الجادة الرامية الى اعادة الاعتبار لروسيا ككيان يملك مقومات الدولة العظمى. هذا التيار يمثله الحزب الشيوعي ومجموعات سياسية اخرى ذات توجهات قومية. الآن يقترب هذا الصراع من معركة فاصلة تتمثل في استحقاقين انتخابيين: انتخابات برلمانية من المقرر ان تجري في ديسمبر... وانتخابات رئاسية في منتصف العام المقبل. ومع تصاعد موجات التذمر الجماهيري ضد السلطة الحاكمة الموالية للغرب ومن وراءها من مليارديرات تتوالى مؤشرات قوية بأن الفوز في الانتخابات بشقيها ربما يكون من نصيب المعارضة. في هذه الظروف الداخلية الدقيقة تندلع الثورة المسلحة في كل من الشيشان وداغستان كهدية غير متوقعة لفريق السلطة الروسية ومؤيديها من شريحة اصحاب المصالح العليا. فالثورة الخارجية تمثل من المنظور الروسي القومي خطرا يستوجب على الجميع رص الصفوف في جبهة قومية موحدة. وهكذا يستغل التيار الروسي الغربي لصالحه بعدة وسائل منها لفت الانظار الجماهيرية الى الخارج بعيدا عن الداخل وقضاياه وتصعيد الحرب ضد الشيشان وداغستان عمدا وصولا في النهاية الى الغاء الاستحقاقين الانتخابيين او تأجيلهما لاجل غير مسمى بدعوى التفرغ للمحنة الخارجية. وهنا نطرح سؤالا: هل فكر القادة الثوريون في الشيشان وداغستان في استثمار الصراع الداخلي في روسيا بوسائل سياسية سلمية؟ في روسيا 18 مليون مسلم. وهذه قوة بشرية جاهزة كقاعدة جماهيرية متاح لثوار القوقاز الاسلاميين استغلالها وفق عمل تنظيمي سياسي داخل الساحة الروسية. ولذا فان بوسعهم خلق قوة سياسية جديدة في ساحة الصراع الروسي لتتحالف مع قوى المعارضة الروسية الاخرى. ان هذا الطريق السياسي السلمي قد لا يتيح للقادة الاسلاميين في القوقاز تحقيق هدفهم الانفصالي في وقت وجيز لكن الثورة المسلحة تؤدي الى تقوية موقف التيار الموالي للغرب داخل روسيا ـ الامر الذي قد يفرز في نهاية المطاف تحالفا روسيا غربيا (لمكافحة الارهاب) في القوقاز.

Email