شكرا.. دكتور الجنزوري ، بقلم محمود السعدني

ت + ت - الحجم الطبيعي

العبدلله أحد الناس الذين استبد بهم الفرح لخروج الدكتور كمال الجنزوري من الوزارة, ولكن لسبب يختلف عن اسباب فرح الاخرين, ففي الشهور الاخيرة كان الدكتور الجنزوري لا يعيش معنا وان كان حيا يرزق. كان يتواجد في مكتبه منذ السابعة صباحا ليغرق في بحر من الاضابير والدوسيهات . ومع انه يزحف نحو الخامسة والستين الا ان ذاكرته كانت اشبه بكمبيوتر حديث, يحيط بكل التفاصيل في ظل مشروع يشرف عليه. وكانت همومه كثيرة من اول كرة القدم الى المشروعات الكبرى التي هي الاساس لمستقبل البلاد. ومع ذلك... ربما اخطأ الجنزوري, وربما حمل على اكتافه من المسؤوليات اكثر مما يستطيع, ربما امسك بين اصابعه خيوطا ما كان اغناه عن الامساك بها. ولكن هذا كله لا ينفي انه كان نظيف اليد شريف القصد, تفرغ تماما لخدمة مصر او في محاولة جادة لخدمتها, ولذلك كان واجبا علينا نحن ابناء مصر ان نشكر الدكتور الجنزوري على الجهد الذي بذله اثناء فترة توليه منصبه. وهو شكر يستحقه, لان نظرة واحدة على ما كان يوم توليه المنصب وما صار عليه الحال يوم تركه, سيجد ان صورة مصر تغيرت بشدة, وان حجم الانجازات التي تمت خلال الفترة التي تفصل بين البداية والنهاية, لابد ان يكون وراءه جهد يستحق الشكر ويستحق ما هو اكثر, قد تكون حدثت اخطاء اثناء العمل وهو خطأ مغفور لانه خطأ في الممارسة, لان الذين يعملون هم الذين يخطئون. ولا داعي لكشف هذه الاخطاء الان, ولكننا سنعود اليها في مناسبة اخرى لنضع اصبعنا على المتهم الحقيقي الذي اشاع الفرقة والخلاف بين الوزراء وهو للاسف الشديد احد اعضاء المجلس نفسه ولكن ليس هذا وقته على اية حال. واصارحكم القول بان العبدلله يشعر بقلق شديد على الدكتور كمال الجنزوري بعد ان غادر مكتبه لاول مرة في حياته منذ ان التحق بخدمة الحكومة موظفا على الدرجة الخامسة بالتخطيط, وخلال حياته كلها لم تكن له شلة, ولم يعرف الطريق الى القعدات الطرية, وليس له هواية في الحياة الا قراءة الملفات وتذوق نوع السمك المقلي الذي يحبه, واقول تذوقا ولا اقول التهاما, فلم يكن الطعام من بين هواياته, مع خطف سنة من النوم.. قصيرة وخاطفة وهو على مائدة الطعام لعل لسان حاله الان يتطابق مع لسان حال مرشح الرئاسة الامريكي السناتور بوب دول, حين وقف يصرخ امام عشرات الالاف من انصاره عشية فشله في انتخابات الرئاسة قائلا: لاول مرة في حياتي اجد نفسي بدون شيء افعله! وهي محنة بالنسبة لكل مسؤول عندما يغرق في العمل فيهمل حياته الاجتماعية تماما, ثم يستيقظ ذات صباح ليكتشف انه (بدون شيء يفعله). من ناحية اخرى فنحن ايضا مدينون بالشكر للوزير الدكتور احمد جويلي, الرجل الذي رفع شعار الطهارة والشفافية في كل موقع من المواقع التي شغلها, محافظا لدمياط ثم محافظا للاسماعيلية ثم وزيرا للتموين, واذا كان من واجب غيري ان يشكره فمن واجب العبدلله ان يفعل ما هو اكثر من الشكر لانه قبل هذا وبعد هذا هو لسان حال دائرة العبدلله في مجلس الشعب. ولعله الوزير الوحيد الذي نجح في انتخابات الجيزة ولم يقطع الصلة بأبناء الدائرة فهو مثابر على اداء صلاة الجمعة في مساجدها, وهو حريص على تقديم واجب العزاء في موتاهم, وعقد الجلسات لحل مشاكلهم ويجب تقديم شكرنا ايضا للوزير المهندس ماهر اباظة, نموذج مشرف للعمل الطيب الطاهر وقد نجح في اشاعة النور في كل انحاء مصر بفضل المشروعات الكهربائية التي نفذها واشرف عليها وانفق في سبيلها عشرات المليارات. دون ان يجرؤ احد من هواة اللت والعجن على ان يهمس باسمه في حدوتة من حواديت النساء. والسبب ان شعبنا الطيب بطبيعته يستطيع ان يفرق بين الفاسد والشريف. وبين المسؤول الذي يحب مصر والاخر الذي يحب الفلوس, تحية للوزير المهندس ماهر اباظة, نموذج يحتذى وقدوة حسنة للاجيال الجديدة من الوزراء. واذا كنا قد تعرضنا للوزراء الذين تركوا مناصبهم, فلا بأس من التعرض لبعض الذين جاء بهم التغيير الوزاري. على رأس هؤلاء الدكتور علي الدين هلال, وهو نموذج جيد للكادر المثقف الواعي الملتزم بقضايا أمته, وفي اعتقادي ان مجال الشباب كان شديد الحاجة الى هذا الطراز من السياسيين المثقفين من جيل الوسط. هناك ايضا الوزير سامح سمير فهمي, وكان العبد لله يعرف والده يرحمه الله. ولكنني لم اتشرف بمعرفة الوزير الشاب ولذلك استفسرت عنه وسألت اساتذة صناعة البترول المصري, الوزير السابق علي والي والمهندس عبد الحميد ابو بكر. وقد اتفق الاثنان على انه نموذج جيد للغاية. كما اتفقا على انه بالرغم من شبابه الا انه يعتبر خبير بترول بدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف, مع رجاء من العبد لله بأن يتخلى الوزير الجديد عن الاسلوب الذي كان متبعا في عهد الوزير السابق وهو الاعلان كل صباح عن كشف بترولي جديد, حتى تصور الناس في بلدنا ان حجم البترول المصري صار في حجم بترول السعودية والكويت معا. وان يكتفي الوزير الجديد بذكر الحقائق فقط حتى يدرك شعبنا الطيب اين نحن بالضبط, وما هو حجمنا بالضبط وسط حقل البترول العالمي. هناك ايضا بين كتيبة الوزراء الجدد اللواء مصطفى عبد القادر محافظ المنيا ومصطفى عبد القادر على علاقة وثيقة بالاعلام, على اساس ان والده يرحمه الله كان زميلا من زملاء المهنة, وكان يعمل معلقا سياسيا بالاذاعة المصرية خلال حقبة الخمسينات والستينات. وفي اعتقاد العبد لله ان اللواء مصطفى عبد القادر الذي غرس في العمل السياسي والتنفيذي لديه ما يقدمه لخدمة مصر من خلال منصبه الجديد. على كل حال شكرا لحكومة الدكتور الجنزوري على اطلاقها, شكرا لها على انجازاتها وشكرا لها على اخطائها ايضا, فالاعمال الكبرى فقط هي التي تتعرض لصنوف من الخطأ والوان من الصواب ودعاء من القلب للدكتور عاطف عبيد بالتوفيق في المهمة الملقاة على عاتقه ومرحبا بجميع الوزراء الجدد, الذين نعرفهم والذين لم نتشرف بمعرفتهم, ولا اقصد معرفتهم معرفة شخصية, ولكني اقصد التعرق عليهم من خلال الممارسة الصحيحة في خدمة بلادهم وشعبهم. وان كنت اشفق عليهم وعلى كل من يتولى منصب الوزارة في فترة التحولات الكبرى. ولكن الامر المطمئن اننا عبرنا معظم الحواجز التي كانت تعترض الطريق, عبرناها برجال امناء مثل الجنزوري وعاطف صدقي وكل من اشترك معهما في تمهيد ولو شبر واحد من الطريق!

Email