الأمريكيون العرب وتحديات انتخابات2000، بقلم جيمس زغبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينتظر ان تكون انتخابات عام 2000 الرئاسية الأمريكية من أكثر السباقات الانتخابية الامريكية شراسة منذ سنوات طويلة. وستوفر هذه الانتخابات للأمريكيين العرب فرصة مهمة جدا لاعادة التأكيد على دورهم في المجتمع الامريكي . الانتخابات المنتظرة ستكون منافسة قوية على كل الصعد. ومخاطرها مرتفعة جدا, فالسيطرة على البيت الابيض ومجلس الشيوخ والكونجرس مفتوحة على كل الاحتمالات. وعلى الرغم من استطلاعات الرأي المبكرة, فمن المحتمل ان يختتم السباق الرئاسي بترشيح 4 متنافسين للانتخابات الرئاسية (وهم جمهوري وديمقراطي ومرشح حزب الاصلاح ومرشح حزب الخضر) ولأن مخاطر الهزيمة ستكون مفتوحة تماما, ينتظر ان يكون السباق محموما والمعركة على كل صوت شرسة خصوصا في تلك الولايات التي عرفت تاريخيا بأنها ذات مقدرة على حسم نتيجة الانتخابات الوطنية الأمريكية. كل هذه هي انباء طيبة للأمريكيين العرب. فكل ما تسمى (ولايات الميدان) في الانتخابات الرئاسية الامريكية عادة هي الولايات ذاتها التي تضم اكبر تجمعات للامريكيين العرب. ويعيش حوالي ثلث الامريكيين العرب (اكثر من مليون نسمة) في هذه الولايات المهمة الممتدة بين ايلينوس ونيوجرسي, كما ان العديد من اقوى المرشحين الى مجلس الشيوخ والكونجرس هم في هذه الولايات ايضا. وفي الحقيقة, فقد كان التطور السياسي للجالية العربية ملحوظا, حيث يزداد عدد ناخبيها ويزداد ايضا تأثيرها, ويشارك الامريكيون العرب حاليا في حملات جمع التبرعات للمرشحين والاحزاب وهو ما يزيد من قوتهم, ويتوقع هذا العام, كما جرى في الانتخابات الرئاسية السابقة, ان ينتخب اكثر من 80 امريكيا عربيا كوفود وقادة حزبيين لمؤتمري الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وقد تم ترسيخ استعداد الامريكيين العرب للمشاركة وانفتاح احزابهم على العمل معهم في انتخابات 2000 خلال مناسبتين منفصلتين نظمهما النشطاء السياسيون منهم في الشهرين الماضيين. في المناسبة الاولى حضر 40 من الامريكيين العرب الديمقراطيين والمسؤولين المنتخبين الى واشنطن واجتمعوا بكبار المسؤولين في البيت الابيض والكونجرس وقادة الحملة الانتخابية الديمقراطية, كما نظم الامريكيون العرب الجمهوريون يوما مماثلا لهم الاسبوع الماضي واجتمعوا بكبار مسؤولي مجلس الشيوخ والكونجرس. وستتوضح هذه الصورة اكثر من ذلك الشهر المقبل عندما سيشكل الامريكيون العرب قيادة وطنية لهم تجتمع في ميتشجان لتقوم بالاعداد لانتخابات ,2000 ويتوقع ان يجتمع قادة الحزبين الكبيرين الى جانب المرشحين الرئيسيين وممثليهم مع هؤلاء لتشجيعهم على المشاركة العربية الفاعلة في حملاتهم. ومن الجدير ذكره في هذا السياق حقيقة ان الامريكيين العرب لن يشاركوا في انتخابات 2000 وحسب, بل قد اكتسبوا فعلا ادوارا قيادية في الجهود التي يبذلها كلا الحزبين للوصول الى الاقليات العرقية, وهذا ما يعتبر قفزة كبيرة جدا اذا ما قيس بما كان عليه الحال قبل 15 عاما فقط حين لم يكن هناك سوى 10 امريكيين عرب شاركوا كموفدين على المستوى الوطني وكان على الامريكيين العرب ان يقاتلوا لكسب الاعتراف بها. لكن المشاركة ليست الشيء الوحيد الذي يميز العرب في انتخابات 2000 او استعدادهم لعقد مؤتمر قيادتهم الوطنية الشهر المقبل. لكن المجتمع الامريكي العربي اليوم يعترف بأن هناك مهمة عليه تنفيذها وهي مساعدة الولايات المتحدة على تصحيح مسار سياستها في الشرق الاوسط وحماية القيم الامريكية المهمة سواء في الجدل على المستوى الوطني او السياسة الخارجية, وهما سيميزان انتخابات 2000. ويعي الامريكيون العرب الآن انه وبسبب غيابهم عن الساحة لعقود من الزمان, تعرض الجدال السياسي حول القضايا الشرق اوسطية الحساسة للتسوية, ومع ان الاعتراف بهذه الحقيقة شيء والعمل شيء اخر, الا ان الامريكيين العرب مؤمنون الان بأن التحرك قد اصبح واجبا الزاميا اليوم. انهم يدفعون الان بانهم لم يخرجوا للصراع من اجل سياسة سلام شرق اوسطية متوازنة, فلن يكسبوا هذه المعركة ابدا, الآن حيث عملية السلام في مراحلها الاخيرة الحرجة وحيث مستقبل القدس يتهدده الخطر ووجود أمن وسلام لبنان وسوريا على جدول الاعمال الامريكية واستمرار عذابات شعب العراق جراء سياسة العقوبات القاسية وبالقدر نفسه جراء نظام حاكم ظالم, ان لم يخرج الامريكيون العرب لمواجهة اولئك الرافضين لادانة هذه السياسات غير المتوازنة, فإن هذه القضايا لن تعامل ابدا بالقدر الذي تستحقه من الوضوح. والشيء نفسه يقال على الجبهة الداخلية ايضا. فإذا ما كان فقدان التوازن او الانعزالية هي المحاور السلبية للسياسة الخارجية, فإن الاضطهاد والتحيز ضد المهاجرين هي الملامح السلبية التي تقود الجدال السياسي حول الاهتمامات الوطنية الحساسة. فقد تضافرت قوانين الحد من الهجرة مع تقليص حقوق اصحاب الاقامات الشرعية الدائمة وقوانين مكافحة الارهاب التمييزية واللاشرعية في السنوات الاخيرة ليس لتهدد حقوق بعض الامريكيين العرب, بل ولتتعدى بشكل خطير على الحقوق الاساسية لكل الجاليات الاخرى المهاجرة حديثا. في السابق لعب الامريكيون العرب دورا مهما في قيادة الصراع ضد هذه المعايير كما عملوا على حماية الحقوق كالتي كفلها الدستور. لكن في انتخابات 2000 سيتصدر العرب عملية نقل هذا الصراع لقلب الجدال السياسي الامريكي. وبمقدور الامريكيين العرب ايضا الاسهام بشكل كبير في السباق الانتخابي الوطني عبر سلسلة عريضة من الاهتمامات الوطنية المحلية, فبفضل الثقافة والقيم التي شكلت التجربة الامريكية العربية, بإمكان هؤلاء تقديم الكثير للحوار السياسي حول التربية ودعم المشاريع الصغيرة, وحماية العائلة والمجتمع. وبالمعنى الحقيقي فإن مهمة الامريكيين العرب تتجاوز كسب اعتراف اكبر بهم في السنوات الامريكية او حماية حقوقهم والدفاع عن قضايا معينة تهمهم. بل هم سيقدمون العون للولايات المتحدة في انتخابات 2000 وذلك بدفاعهم عن دستورها وقيمها على الجبهة الداخلية, كما انهم سيدافعون عن مصالحها بمناداتهم بسياسة خارجية مرتكزة على العدل وحقوق الانسان. هو طبعا دور كبير بالنسبة لجالية صغيرة, لكنه ايضا دور ضروري ألقي على عاتق الامريكيين العرب. وهو ايضا دور يصمم الامريكيون العرب على لعبه خلال انتخابات 2000. اذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم العمل الذي قاموا به حتى الآن والاصرار الذي بدر عنهم. وحتى يكون بمقدورهم النجاح هذا العام, عليهم تحديد اهداف عملية لهم, والقيام بخطوات ملموسة لتحقيقها. والأمريكيون العرب مطالبون الآن ايضا بتجنب اي جدالات سياسية حول قضايا جانبية وكل الخطط السياسية الموضوعة لتبديد مواردهم الشحيحة التي سيكونون بأمس الحاجة لها اذا ما أرادوا ترك بصمتهم في هذه السنة السياسية. وبدلا من ذلك يجب عليهم حشد مواردهم, والعمل بذكاء على ادخال قضاياهم في صلب الجدال السياسي وبناء تحالفات مع الامريكيين الآخرين الذين يشاركونهم قيما مماثلة. الامريكيون العرب مطالبون عام 2000 بالقتال من اجل مستقبلهم ومستقبل الكثيرين غيرهم الذي يتوقف على جهودهم, لأن مستقبلهم بكل ما تعنيه الكلمة يتوقف على هذه الجهود. * رئيس المعهد الامريكي العربي

Email