الاستجابة الى حالات الصراع، بقلم الدكتور تيسير الناشف

ت + ت - الحجم الطبيعي

تناولنا في مقال سابق اسباب نشوب الصراع في افريقيا ونتناول في هذا المقال اشكال الاستجابة الى حالات الصراع, ان آليات الانذار المبكر اداة هامة من ادوات منع نشوب الصراعات, ولكن دون القيام بعمل مبكر تكون فائدة الانذار المبكر قليلة, ومما ينطوي على الأهمية الكبيرة ليس عدم وجود الانذار المبكر بالازمات وشيكة الوقوع ولكن متابعة هذا الانذار باستجابة فعالة ومبكرة سواء كانت تلك الاستجابة على شكل تقديم مساعدات انسانية او ايفاد بعثات للمحافظة على السلام او بذل جهود دبلوماسية اخرى. عندما تنشأ خلافات من اللازم, لتفادي تفاقم النزاعات, ان تمتنع الدول المتخاصمة عن استعمال العنف على نحو فوري وقد شاع استعمال العنف الفوري شيوعا كبيرا, وحينما يندلع صراع عنيف من اللازم بذل الجهود لاستنفاد الخيارات الدبلوماسية قبل ان تستفحل المواجهات ومن هذه الخيارات الوساطة. مواءمة سياسات وانشطة جهات فاعلة خارجية من العراقيل التي تعرقل في حالات كثيرة التوصل الى حل او تسوية أزمة متفجرة في شتى انحاء العالم عدم اتباع الجهات الفاعلة الخارجية لطريقة سياسية مشتركة, ومما من شأنه ان يساعد في التوصل الى التسوية ان تتخذ الدول القريبة والمتجاورة موقفا مشتركا. ويحتمل احتمالا اكبر ان تلجأ دول متنازعة في المراحل المبكرة من النزاع الى الدول المجاورة والقريبة في محاولة الدول المتنازعة الى اكتساب تأييد الدول لها, اذا بقي النزاع مطلق العنان تفاقم وهو لايعود يمكن التحكم به. وقد يمكن منع تفاقم النزاع اذا مارست الدول المجاورة والقريبة والمهتمة قدرا اكبر من التأثير في اطراف النزاع, وفي حالات كثيرة لن تنجح المساعي الدولية الاوسع نطاقا دون تعاون دول المنطقة دون الاقليمية مع تلك المساعي ودون تأييدها لها ويمكن للمنظمات الدولية من قبيل منظمة الوحدة الافريقية ان تؤدي دورا ذا شأن في هذا التعاون والتأييد بالاشتراك مع منظمات دون اقليمية مختصة, ففي جنوب افريقيا, على سبيل المثال اسهم العمل السياسي الذي بادرت اليه في وقت مبكر وعلى نحو متضافر تلك المنطقة دون الاقليمية, بدعم من منظمة الوحدة الافريقية, في احتواء الاضطرابات السياسية التي ظهرت بداياتها في ليسوتو, وفي غرب افريقيا اتخذت بلدان الجماعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا قرارا قضى بمواءمة تلك البلدان لسياساتها ونشاطاتها في ليبريا, وقد اسهم ذلك القرار اسهاما كبيرا في تحول العملية السياسية في تلك الدولة. صنع السلام ارسال بعثات لصنع السلام جزء لازم من اي مسعى وطني او دولي يهدف الى منع نشوب الصراعات والى احتوائها وتسويتها, وفي العادة فان الجهود الدولية اقل تكلفة وتنفيذها اسرع, ومن الجائز ايضا اللجوء الى آليات من قبيل التسوية القضائية وبعثات تقصي الحقائق والمساعي الحميدة والوساطة والتحكيم والتفاوض ويهدف ذلك كله الى تخفيف حدة التوتر وتسهيل اجراء الحوار وعدم النيل من حقوق الانسان ومد يد المساعدة على تحقيق المصالحة الوطنية واضفاء الطابع المؤسسي على التسوية السياسية والسلام. ان تعاون الاطراف واستعدادها للعمل في سبيل تحقيق السلم يمكن ان يساندهما المجتمع الدولي القادر على الاسهام في استتباب الاستقرار وتوفير حوافز للمصالحة على المدى الطويل ويمكن ان تتضمن هذه الحوافز على سبيل المثال اتاحة فرص الحصول على القروض اللازمة لاقامة المشاريع التجارية او على الرعاية الطبية وتنفيذ مشاريع محلية في مجالي المياه والبنية الاساسية ولاستعمال هذه الحوافز بفعالية بوصفها ادوات لتسوية الصراعات من الضروري فهم قضايا الشعوب ومشاكلها وحاجاتها والتمكن من الاستجابة على مستويات مختلفة في نفس الوقت وبقدر معين من المرونة, هذه الجهود تتطلب توفير قدر اكبر من المساعدة الدولية. ومن اللازم ان تكون جهود صنع السلام منسقة وحسنة الاعداد, لقد انشئت مؤخرا اللجنة التنفيذية للسلم والامن في اطار منظومة الامم المتحدة. ويدعو وكيل الامين العام للشؤون السياسية الى انعقاد اللجنة التي يقصد بنشاطاتها دعم التعاون وتبادل المعلومات, ومؤخرا انشىء في مقر منظمة الوحدة الافريقية باديس ابابا مكتب الاتصال التابع للامم المتحدة ومن وظائف هذا المكتب تعزيز التعاون بين المنظمتين وتيسير تنسيق بذل الجهود السياسية التي تهدف الى درء الصراعات في افريقيا واحتوائها وتسويتها, ويعقد مسؤولون من الامانة العامة لمنظمة الوحدة الافريقية والامانة العامة للامم المتحدة اجتماعات سنوية يشترك في رئاستها الامينان العامان وترمي هذه الاجتماعات الى تحقيق الاهداف نفسها ويجري ايضا تعزيز التعاون بين الامم المتحدة ومنظمات دون اقليمية في افريقيا مثل الهيئة الحكومية الدولية للتنمية والجماعة الانمائية للجنوب الافريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا, وتقوم هذه المنظمات كل في منطقتها بالتصدي لمسائل السلام والامن. ايقاف انتشار الأسلحة لجميع الدول الحق في توفير مستلزمات الدفاع عن نفسها وتتحمل الدول المسؤولية عن ذلك التوفير, ولكن المصالح الانمائية لكل بلدان العالم, وخصوصا الدول النامية في افريقيا تستلزم تخصيص حد ادنى من الموارد للاغراض العسكرية وعن طريق اتخاذ تدابيرمختلفة يمكن ان تقل حاجة البلدان الافريقية الى انفاق مبالغ طائلة على الاغراض العسكرية ومن هذه التدابير مواءمة سياسات مكافحة الاتجار غير المشروع بالاسلحة وزيادة الشفافية في البرامج العسكرية وبناء وتعزيز الثقة في الميدانين الامني والعسكري, ويمكن لبناء وتعزيز الثقة ان يشملا توقيع اتفاقات عدم الاعتداء واتفاقات للتعاون الامني والاقتصادي والمشاركة في التدريبات والدوريات العسكرية المشتركة وتقديم معلومات الى سجل الامم المتحدة للأسلحة التقليدية, فمن شأن المشاركة في هذا السجل ان تسهم اسهاما قويا في تعزيز الجهود الاقليمية ودون الاقليمية لبناء الثقة وتعزيزها ويمكن ان تشمل هذه الجهود انشاء سجلات تكميلية ودون اقليمية للأسلحة التقليدية. ومما من شأنه ان يسهم في ايقاف تدفق الاسلحة على افريقيا وفي رصد الاتجار بالاسلحة وتنظيمه تحديد مصادرها الخارجية, فمن مسؤولية الدول المصدرة للاسلحة توخي الحذر وضبط النفس فيما يتعلق بتصدير الاسلحة الى اي مكان في العالم وخصوصا الى مناطق التوتر والصراع وهذا الامر يستلزم ايلاء اهتمام خاص لدور تجار الاسلحة من القطاع الخاص في تصدير الاسلحة ولكن ليس من السهل التعرف على هوية تجار الاسلحة من القطاع الخاص, مما يسهل مواصلة القيام بتصدير الاسلحة, ويمكن للامم المتحدة ان تحاول القيام بجمع المعلومات عن هوية اولئك المصدرين لمحاولة ردعهم عن مواصلة هذه التجارة. توفير الدعم الدولي للجهود السلمية من الصعوبة البالغة في بعض الحالات ابقاء القوة الدافعة لاحلال السلام مالم يحشد الدعم الدولي الكافي للمساعي السلمية, ومما من شأنه ان يسهم في توفير الدعم الدولي للمساعي السلمية انشاء مجموعات اتصال من الدول المهتمة ويمكن ان تكون هذه المجموعات في شكل مؤتمر خاص او مجموعة اصدقاء, ان المؤتمر الخاص المعني بليبريا, على سبيل المثال, عقد على المستوى الوزاري وضم البلدان المانحة ومؤسسات بريتون وودز ودول الجماعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا وسائر الهيئات المختصة في منظومة الامم المتحدة, وكانت اهداف المؤتمر كفالة تفهم وتوفير الموارد اللازمة للعملية السلمية, وتقديم المساندة الدولية لهذه العملية والاسهام في تحقيق مواءمة آراء الجهات الفاعلة السياسية الخارجية. تفادي تعدد جهود الوساطة من الاهمية القصوى ان تتفادى الجهات الفاعلة على الساحة الدولية الانزلاق الى التنافس على بذل الجهود حين تحديد اطار للوساطة. ان التنافس او التزاحم على بذل هذه الجهود قد يفضي الى ايجاد الانقسام داخل المجتمع الدولي وقد يؤدي الى تضارب الجهود, مما من شأنه ان يسهم في خلق المماطلة واللبس. ان تعيين الحكومات لممثلين عنها في حالات النزاع من شأنه ان يسهم في تسهيل المشاورات والمداولات وتشاطر المعلومات واتخاذ القرار داخل المجتمع الدولي. غير ان الحكومات يجدر بها عند تعيين هؤلاء الممثلين ان تتوخى الحذر من نشوء حالة تنزلق فيها الى التنافس او التزاحم على بذل المساعي للتوصل الى تسوية النزاع.

Email