أوراق دمشق التفاوضية(1 ـ2)، بقلم محمد خالد الأزعر

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد اتفاق واي2 واستئناف مايسمى بمفاوضات الحل النهائي على المسار الفلسطيني, هناك احتمال لئن يدعي الاسرائيليون عدم قدرتهم على متابعة بقية مسارات التفاوض وهضمها في الوقت ذاته وهذا يفضي الى ارجاء اخر للتعامل الجدي مع المسارين السوري واللبناني, فاذا صح هذا التوقع ثار السؤال عن دوافع هذه المقاربة الاسرائيلية بعد اختبار سلامتها المنطقية . الاجابة عن الشطر الاخير من هذا السؤال لابد ان تكون بالنفي فليس صحيحا ان اسرائيل غير قادرة على هضم كل مسارات التفاوض مع العرب وذلك على الاقل لان حكومتها الحالية اعلنت على لسان رئيسها فور انتخابه عن تشكيل اطقمها التفاوضية بهذا الخصوص وقد تكونت ثلاثتها لكل من المسار السوري واللبناني والفلسطيني تحت رئاسة ثلاثة جنرالات وبتنسيق يقف على رأسه مدير عام الموساد السابق (داني ياتوم) ومن المعلوم الان ان هذا الاخير شارك في جولات استطلاعية لتحريك المسار السوري في عهد حكومة نتانياهو. ثم ان علينا من ناحية اخرى استذكار المرحلة التي كانت فيها اطقم حكومة رابين منغمسة في التفاوض على اربعة مسارات وليس ثلاثة فقط وذلك قبل توقيع اتفاقية وادي عربة مع الاردن (اكتوبر 1994) هذا علاوة على انه من غير المتصور ان تتذرع حكومة باراك بازدحام مسارات التفاوض وعدم امكانية التفرغ لها دفعة واحدة فيما لو قبل المفاوض السوري جدلا بشروطها والواقع, ان هذا هو ما حدث فعلا على نحو ما عندما رحبت دمشق باشارات باراك الاولية فدمشق بخبرتها المتراكمة المكثفة ادركت كنه مناورة باراك وبادلته التجاوب في الاسابيع الاولى من عهده, مفوتة عليه فرصة احراجها واتهامها بالتعنت وبمجرد حدوث ذلك, راح باراك ينكص على عقبيه ويجدد في خطوة لاعقلانية شروط سلفه مع شيء من التحوير. بحسبة بسيطة يبدو ان باراك خسر اولى جولاته (مناوراته) مع دمشق ومن تجليات ذلك حالة التخبط في طروحاته ازاء المسارين السوري واللبناني. هو يعلم يقينا كما يعلم المعنيون قوة التلاحم بين دمشق وبيروت على طريق عملية التسوية لكنه يعلن وعدد من اعضاء حكومته التقيد بالانسحاب من الشريط اللبناني المحتل في موعد اقصاه يوليو المقبل فكيف ينسجم هذا التوجه وخمود المسار السوري؟ ان مثل هذا الانسجام لايحدث الا ان كانت نيته هي الانسحاب من طرف واحد ويلا قيد او شرط او اتفاق سلام مع بيروت ام تراه يراهن على فض التنسيق السوري اللبناني, وهو رهان اخرق ولا مؤشرات على مروره لدى اي مراقب. حيرة المفاوض الاسرائيلي (وزنقته) على هذين المسارين تعكس على كل حال فضائل التنسيق التفاوضي العربي في حده الادنى, اي بين مسارين ساقتهما اقدارهما, وتقديراتهما ايضا, الى خيار التعامل معا وهذا يستدعي بكل الأسى. تصور مكاسب العرب بعامة لو انهم جنحوا جميعا الى الخيار ذاته. تستطيع حكومة باراك خوض التفاوض بالتوازي على جميع المسارات المتبقية, لكنها في الحقيقة حبيسة فكرة التلاعب بالمسارات, هي بكلمات اخرى تنتظر لحظة مواتية, تنقض فيها على ماتراه مسارا ناضجا للقطاف وفق مخططها في تفكيك الصراع بمنجزات صافية لاشائبة فيها, وهي حين تأكدت من صعوبة تحقيق هذه الغاية مع دمشق, تحولت بانعطافة ملحوظة الى المسار الفلسطيني, وكانت هذه الانعطافة مهمة قبل ان تظهر اية اصداء للحوارات الفلسطينية الداخلية, وكذا قبل ان تجد دعوات التنسيق العربي اية اصداء عربية عامة. ولعلنا لانبالغ اذا ذهبنا الى ان ادارة المفاوضات بهذا الاسلوب او التكتيك يكاد يحاكي الاسلوب الاسرائيلي التقليدي في ادارة الحروب مع العرب, فقد اشتهر ان العسكرية الاسرائيلية غالبا ما تكون مستعدة لشن حروبها العدوانية على اكثر من جبهة في وقت واحد وانها ايضا, غالبا ماتملك القدرة على صد احتمال هجوم عربي متعدد المحاور والجبهات. لكننا حين ندقق في التفاصيل, نعرف ان هذه العسكرية, تعمد الى التركيز اثناء الحرب على جبهة بعينها او محور بغرض كسره تماما مع مناوشة بقية الجبهات, ثم الالتفاف اليها واحدة بعد اخرى بعد ذلك. ان مفاوضي اسرائيل , وجلهم جنرالات خرجوا من عباءة المؤسسة العسكرية, بدون استثناء رئيس وزرائهم الحالي بالطبع, يعلمون جيدا هذه الخبرة ولديهم على الارجح ملكة نقلها الى المفاوضات بسهولة واذا نحن حاولنا ايجاد مشهد تطبيقي لهذا الاسلوب فان وقائع الشهور القليلة من عمر حكومة باراك تسعفنا تماما, اذ ناوش الاسرائىليون المسار السوري ودغدغوا احلام كل المنشغلين بعملية التسوية باحاديث التفاوض الشامل, ثم ركزوا جهودهم على المسار الفلسطيني وخرجوا محملين تقريبا بكل ما ارادوه من مزايا ومطالب. ومؤدى ذلك, ان المفاوض الاسرائيلي رد على خيبة مناورته السورية بتسجيل نقطة على المسار الفلسطيني, ولهذا المفاوض ان يزعم تحركه بحرية واسعة على مختلف المسارات, يتوغل او يجمد ما يشاء منها في المواقيت التي يختارها ويعني ذلك ان زمام المبادرة بالاقدام والاحجام مازال بيده, كما يعني ان المفاوض السوري واللبناني نسبيا يعمل برد الفعل وان بموازين دقيقة وعقل شديد الحذر. على انه طالما كان احلال التسوية (الشاملة) معلقا بنتائج المسارين السوري واللبناني, فان الاهتمام الاسرائيلي (والامريكي) بمفاوضات جادة على هذين المسارين آتية لا محالة, ويحق لنا ان نتوقع ضرورة ولوج هذه النوعية من المفاوضات قبل اكتمال تسوية المسار الفلسطيني بل وكجزء من مقتضيات هذا المسار الاخير, والحكمة هنا, ان لفلسطين دوائر تقاطع مع المسارين اياهما لايمكن لعاقل تجاوزها, وبخاصة اذا اتصل الامر بما يدعى بالحل الفلسطيني النهائي. قضايا اللاجئين والحدود والمياه امثلة بارزة في هذا الاطار. كاتب وباحث فلسطيني ـ القاهرة

Email