تحديات جديدة أمام الوضع العربي، بقلم د. شفيق ناظم الغبرا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعاني البلاد العربية من مجموعة تحديات تتجاوز الابعاد التقليدية التي تعودنا ان نتحدث عنها في كل موقف ومجال, فقد تعودنا ان نتحدث عن التحدي (القومي) والوحدة الضرورية والمواجهة بين الشرق والغرب وتحرير الاراضي المحتلة , لكن خطابنا يقف بعيدا عن ابعاد مرتبطة بالاحتياجات الواقعية والضرورية والتي تشكل شروطا لتأهيلنا للواقع الدولي الذي يتشكل امامنا. اذ يقع على رأس هذه التحديات التزايد السكاني في الدول العربية اضافة الى حالة التنمية والاقتصاد, فهذه قضايا تتطلب تعاملا جادا ومسؤولا. لنبدأ بمسألة التزايد السكاني اذ نجد ان مجموع سكان الدول العربية لم يتجاوز في الستينات من هذا القرن 90 مليون نسمة, ثم تحول العدد عام 1970 الى 120 مليونا ثم الى 279 مليونا عام 1997 وسوف نكون عام 2020 بحدود 384 مليونا, وسنتجاوز النصف مليار عربي عام 2030. ولو اخذنا بعض الامثلة سنجد ان مصر تتزايد بنسبة 1.9% وهذا يعني ان المصريين وعددهم اليوم 66 مليونا, سوف يكونون بحدود 93 مليونا عام 2030 اما العراق فهو 21 مليونا اليوم ومن المتوقع ان يتضاعف عدد سكانه عام 2030, ففي العراق رغم ظروفه الصعبة الراهنة نجد اكبر نسبة تكاثر في العالم العربي اذ تصل الى 3.2% سنويا وهناك 9 دول عربية النمو السكاني فيها اكثر من 3% وهو نمو قادر على مضاعفة اعداد السكان فيها خلال جيل واحد. وسوف يعتبر البعض منا بأن هذا النمو قوة للعرب. وقد يكون هذا الاعتقاد صائبا لو كان النمو الاقتصادي متجانسا ومتجاوزا لهذا التزايد السكاني ولكن الحقيقة الصعبة ان الواقع الاقتصادي العربي غير قادر على استيعاب هذه الطفرة السكانية الكبيرة والضغوط التي تمارسها على الخدمات والاقتصاد والمؤسسات والجامعات والمدارس والمستشفيات, ان اية دولة تنمو سكانيا بأكثر مما تنمو اقتصاديا تتجه نحو كارثة اكيدة. ومن جهة اخرى نجد ان النمو الاقتصادي في الشرق الاوسط بين 1981 ـ 1990 كان بحدود 2.1% وذلك اذا ما قارناه بمنطقة شرق اسيا التي كان النمو الاقتصادي فيها في نفس الفترة 5.7% اما في جنوب آسيا فكان النمو 5.5% ونجد ان النمو الاقتصادي في امريكا اللاتينية للفترة نفسها 3.8%. لهذا فأن كان التزايد السكاني العربي 3% والنمو الاقتصادي للمنطقة 2% فهذا يعني ان منطقتنا متجهة الى كارثة في الاوضاع الاقتصادية, وان دولا عديدة تعاني من هذا الوضع سوف تواجه انهيارات اكيدة ان لم تقم بتحسين اوضاعها واصلاح اقتصادها. ولكن ملاحظ ان دولا مثل مصر نجحت على مدى عدة اعوام متتالية في ايصال النمو الاقتصادي فيها الى اكثر من 5% وان هذا يعكس حالة نمو اكيد في الميزان الاقتصادي المصري نسبة للتزايد السكاني, ومن الواضح ان سياسات الاصلاح الجادة لديها فرصة حقيقية في منطقتنا, ولكنها مازالت دون الانتشار ودون الوصول الى عموم دول المنطقة. اما بالنسبة لازدياد الدخل لدى الفرد فقد شهد الشرق الاوسط معدل 7.0% في الثمانينات, ولكن في شرق آسيا كان النمو في الدخل اكبر من ذلك اذ وصل الى 6.8% ونجد ايضا ان النمو في الدخل بين الاعوام 1996 ـ 1997 كان 0.8% منطقتنا بينما نجد انه كان 6.2% في شرق آسيا ووصل الى 3.9% في امريكا اللاتينية هذه انعكاسات تفسر الفارق بين اقليمنا واقاليم اخرى وتؤكد اهمية الاعتناء بالاقتصاد في الدول العربية التي تعاني من هذه الاختلالات. وفي المقابل علينا ان نعرف بأن التحدث عن بناء السوق العربية المشتركة لن يغير المعادلة الاقتصادية العربية, فالتنسيق الاقليمي والتجارة الاقليمية لن تكون ممكنة بين دول انتاجها متراجع ولديها فائض سكاني كبير وهي لا تملك فائضا اقتصاديا يساعدها على التبادل المفيد, لهذا فإن كل دولة ستتاجر مع دول غير عربية واساسا غربية وذلك لتحصل على سلع افضل وتكنولوجيا متقدمة. التجارة بين دول امريكا اللاتينية على سبيل المثال ارتفعت فقط عندما شهدت اقتصاديات تلك الدول نموا حقيقيا. ان التغير في معادلة النمو والاقتصاد لن يكون ممكنا الا باصلاحات اقتصادية كبيرة, في هذا فأن السياسات الحكومية التي تقوم على مبدأ الخدمات الموسعة والتدخل في الاقتصاد والتوظيف الحكومي غير المدروس, وعدم ترك المجال للقطاع الخاص والقيام بدعم السلع الضعيفة يجب ان تتوقف بل على معظم الخدمات ان تتحول الى القطاع الخاص, وعلى الدول ان تقبل بدور اقل حجما في الحياة الاقتصادية والداخلية. ويزيد على مشكلات منطقتنا انها لم تعتمد روح المنافسة الجدية بعد, كما ان مدارسنا ومناهجنا التعليمية لا تسعى اساسا لتشجيع روحية الفرد والمبدع والمنافس والساعي الى الافضل, وهذا بحد ذاته يتطلب اصلاحات موسعة في مجال التعليم. ان تغير الخطاب السياسي العربي بحيث يركز على هذه الابعاد وذلك لصالح البدء باجراءات اقتصادية اصلاحية موسعة هو امر ملح في كافة الدول العربية ويجب ان يترافق هذا مع العمل باتجاه الشفافية في اعمال الحكومات ومسؤولياتها الكاملة امام جهات رقابية تنبثق عن المجتمع. اما بالنسبة لحقوق الانسان فبدون الانتقال بها الى حالة اكثر احتراما فلن تكون منطقتنا مكانا يجذب رؤوس الاموال المهاجرة او العالمية. فبطبيعة الحال تبحث رؤوس الاموال التي لن ينجح اصلاح بدون مشاركتها على أسس دقيقة للتعامل واحترام للفرد والحقوق. هكذا نجد ان معادلات الماضي هي غير معادلات اليوم, وان ما يجب ان يشغل الدول والمجتمعات العربية اليوم يختلف تماما عن ذلك الذي شغلها بالامس القريب. * استاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت

Email