اجهاض المصالحة السودانية (2-2)، بقلم أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثناء تنقلات الوسطاء المصريين والليبيين بين طرابلس والقاهرة والخرطوم واتصالاتهم مع قادة الحكومة والمعارضة أعلن مسؤول أمريكي ان الولايات المتحدة تفضل وساطة(ايجاد)وترى انها(الآلية الأفضل)وفي رفض شبه صريح للمبادرة المصرية الليبية أضاف المسؤول الأمريكي قائلا, ان تطوير مبادرات سلام اضافية يمكن ان يسمح للخرطوم بتجنب تقديم تسويات حقيقية . ومن ثم اتبعت واشنطن القول بالتحرك, فأصدرت حركة قرنق بيانا فجائيا من نيروبي أعلنت فيه معارضة صريحة للمشروع المصري الليبي بعد ان كان قرنق قد وقع مع أقطاب المعارضة وممثلي الحكومة السودانية في طرابلس على الوثيقة الأولية للمبادرة, كان صدور هذا البيان تمهيدا لوصول قرنق نفسه إلى القاهرة حيث اجتمع بالسفير الامريكي أولا قبل أن يجتمع مع وزير الخارجية المصري عمرو موسى, وقبل ان يغادر القاهرة أعلن قرنق انه يرى ان تدمج المبادرة المصرية الليبية مع مبادرة (ايجاد) التي تشارك فيها دول أفريقية بينها اثيوبيا وأريتريا وأوغندا وكينيا. وعقب زيارة قرنق إلى القاهرة وصلت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت فوضعت النقاط على الحروف قائلة بعد اجتماع مع عمرو موسى ان واشنطن تعارض المبادرة المصرية الليبية. هذان التطوران تزامنا مع وجود العميد عبدالعزيز خالد ـ رئيس فرع حركة قرنق خارج جنوب السودان ـ في واشنطن حيث رتبت له اجتماعات مع مستشار البيت الأبيض للشؤون الافريقية ومساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الافريقية, ولا يمكن ان يكون هناك أدنى شك في ان دعم قوات قرنق وفرعها الشمالي بالمزيد من الأسلحة والتجهيزات الحربية من أجل تصعيد القتال ضد قوات الحكومة السودانية كان محور الاجتماعات والمشاورات. لقد كان في شأن هذه التطورات إبطاء مسار اتصالات الوسطاء المصريين والليبيين مع كل من الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني ونشوء حالة من الارتباك بين قادة (التجمع) المعارض اجمالا. فبعد ان توصل الوسطاء الى اتفاق مع المهدي والميرغني من جهة والحكومة السودانية من جهة أخرى بشأن تشكيل لجنة تحضيرية مشتركة لتتولى وضع أجندة (مؤتمر الحوار الوطني) اصطدم الاتفاق بمعارضة قرنق مما أدى إلى تأجيل عقد اجتماع اللجنة من 13 سبتمبر إلى الأسبوع الثاني من اكتوبر على ان يسبق هذا الاجتماع اجتماع لأقطاب (التجمع) بمن في ذلك قرنق لمحاولة الاتفاق على تسمية ممثلي المعارضة في اللجنة التحضيرية. وهنا ينبثق سؤال: هل ينجح اجتماع أقطاب (التجمع) المقبل؟ بغض النظر عن التفاصيل فإن (التجمع) صار عمليا تجمعين: فريق القاهرة ـ طرابلس ويمثله بصورة أساسية الصادق المهدي, وربما معه محمد عثمان الميرغني, وفريق الولايات المتحدة, يمثله أساسا جون قرنق ومعه عبدالعزيز خالد, وقد يكون انضم اليهما (الحزب الشيوعي) (الذي لم يعد شيوعيا!). الفريق الأول, وخاصة الصادق المهدي, يرغب في تطوير المبادرة المصرية الليبية إلى منتهاها, والفريق الثاني يرغب في نسفها بحيل متنوعة من بينها اقتراح (دمجها) مع مبادرة (ايجاد) بغرض تمييعها وموتها بطريقة بطيئة. هذا الانشقاق لم يتبلور بعد في شكل قطيعة محددة المعالم لكنه فيما يبدو على طريق التبلور النهائي, حينئذ قد يفشل اجتماع اقطاب (التجمع) المقرر له أول اكتوبر, أو قد يتأجل بطلب من فريق قرنق. وإذا ما حصلت القطيعة بصورة معلنة وحادة فإن ذلك سوف يعني ان كلا من الفريقين سوف يسير في اتجاه مختلف. هل يعني ذلك إذا حدث, ان ينفرد (حزب الأمة) بزعامة الصادق المهدي بمشروع صلح ثنائي مع الخرطوم؟ وهل في هذه الحالة يستقطب معه الميرغني؟ وماذا سيكون موقف كل من القاهرة وطرابلس؟ بصراحة.. لا أدري!

Email