مشكلة التسرب الدراسي..الاسباب وطرق العلاج (1)بقلم حسن علي الحمادي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لاشك ان التعليم رسالة خالدة ومقدسة اذا احسنت إداراتها, واستخدمت اقصى إمكاناتها. وإلا فإنها تغدو طبلاً اجوف يصم الآذان, ورماداً يذر في العيون, وآلة تخرب العقول . وان نظرة دول العالم عامة ودولة الامارات العربية المتحدة خاصة اليوم للتعليم هي نظرة استثمارية. والدليل على ذلك مشروع وزارة التربية والتعليم والشباب الاخير (رؤية 2020) فالاستثمار البشري هو الذي يعطي المردود الايجابي, وهو الذي يصحح مسار الاستثمارات الاخرى ويفعلها. والاهدار في التعليم يعني ان المفقود فيه هو عبء على ميزانية الوزارة والدولة, وخسارة لجزء هام من الاستثمار, كان من الممكن ان يستغل في انشطة منوعة اخرى او في برامج تلفزيونية تعليمية, او لتحسين مرافق المدرسة او لانشاء غرف للتكنولوجيا والآلات او غرف للمهارات والنشاطات العقلية والبدنية. اهمية المشكلة نظراً للتطور السريع الذي تشهده دولة الامارات في مختلف المجالات بفضل السياسة الحكيمة لرئيس الدولة, فأن مجال التعليم له خصوصيته, حسب ما تشير اليه الوثائق الرسمية والاحصاءات في مختلف مراحل الدراسة. فالنمو واضح كماً وكيفاً, والاقبال على التعليم شديد, لذلك فالنهوض بالعملية التربوية يتطلب معرفة الجذور الحقيقية والمعوقات المقنعة التي تقف في وجه هذا النمو, والتسرب الدراسي من اهم هذه المعوقات. حيث يعتبر إهداراً في العامل البشري الذي هو موضع الاستثمار وهو الاساسي في التنمية الافقية والرأسية في بلد ناهض منذ 28 سنة, محدود السكان, يحتاج الى كل فرد من ابنائه, ولا يحتمل اي فاقد للجهد البشري من اهل البلد, خاصة وان الدولة تسخر ثاني اكبر ميزانية للتربية والتعليم والشباب وبها اكبر عدد من الموظفين حسب آخر احصائية. اذ ان عدد موظفي التربية يفوق موظفي وزارة الصحة وهي ثاني اكبر عدد من الموظفين في المجال الحكومي. ولان وزارة التربية والتعليم والشباب في الامارات تستثمر اكثر ميزانيتها في التعليم كبقية الدول المتبقية, فالاهتمام بالفاقد في التعليم في هذه الحالة له اهمية كبرى, فهو يمثل فاقداً في الجهد البشري الذي يبذل في هذا المجال وإهداراً للاموال, والطلاب هم الذين يكونون المدخل الرئيسي في نظام التعليم وتنميتهم عن طريق المعلم القدير المتميز هي الهدف الاساسي, وهم في النهاية المخرج الرئيسي للنظام التعليمي, فالتسرب يمثل فاقداً بين المدخل والمخرج. ولابد قبل البدء بعرض مبررات دراسة التسرب الدراسي, ان نحدد معنى التسرب ونسبة التسرب وحدود الدراسة. لقد اصبح من المتفق عليه ان المتسرب (او التارك للمدرسة) هو كل طالب يترك المدرسة نتيجة مجموعة من الاسباب, سواء كانت اسباباً اجتماعية او اقتصادية او سياسية او صحية او لظروف استثنائية... الخ. اما نسبة التسرب فهي واضحة في الجدولين التاليين (للجنسين) , وهكذا لا يجوز في تقديرنا للتسرب ان نأخذ بالارقام المطلقة والصماء, ولابد ان ندرك المعاني التي تلبسها هذه الارقام تبعاً لشكل التسرب سواء كان ظاهرياً او حقيقياً. وفي النهاية لا يهمنا سوى بيان اسباب التسرب وخطورته من اجل معالجته. اما حدود الدراسة, فهي تخص مدارس الدولة الاعدادية الحكومية عامة. وعن مبررات الدراسة فبعد تمعن ودراسة وملاحظة في حالة شباب اليوم امل الغد, مع الاسف الشديد يصادفنا في كل يوم مجموعة من الافواج الشبابية, سواء في بقالة او صالون او كراج او مطعم يحملون علب السجائر في ايديهم, ويلبسون الملابس الغريبة التي لا تمت الى عاداتنا وتقاليدنا بصلة, ناهيك عن كثرة الوفيات من هذه الفئة حسب احصائية وزارة الداخلية, وحينما نسأل عن اسباب وجود هذه الافواج في الاماكن المشبوهة وشبه المشبوهة والمعزولة, نجد انها متسربة من المدرسة, وانطلاقاً من هذه النقطة, اخترت المرحلة الاعدادية بالذات لدراسة هذا الموضوع, لان مشكلاتها تبدأ في هذه المرحلة من العمر 17-12 سنة (للجنسين) , ومن خلال المتابعة الميدانية والعمل في الميدان التربوي, اتضح لي ان مشكلة التسرب تشكل فعلاً فاقداً كبيراً للجهد والمال. فالطلاب في هذه المرحلة بعد تسربهم يعودون الى مرحلة الامية او شبه الامية, وتمثل القراءة والكتابة والتعامل مع الآخرين مشكلة كبرى لهم. وخروجهم في هذه المرحلة, يعود بهم الى الوراء, فالخسارة تكون مضاعفة مادياً وبشرياً. لاننا ندفع الى سوق العمل بأناس في طور الجهل والتخلف ويصطدم مع الواقع المتطور, ناهيك عن فقد المبالغ الطائلة عليه دون نتيجة. لذا فالتعرف على هذه الظاهرة ودراستها, يتيح المجال لسد الثغرة الحاصلة في التعليم, ووضع الحلول الواضحة التي تسهم في الحد من التسرب وفي تقدم التعليم والتقليل من الفاقد والجهد البشري. الطلاب قبل التسرب وصل علماء النفس والباحثون التربويون, من خلال دراساتهم وتجاربهم, الى عدة نتائج حول تصرفات الطلاب في المدرسة قبل تسربهم. ولكن المتتبع للواقع الميداني سيضيف الى ما وصل اليه الباحثون وسيجد الكثير من التصرفات غير اللائقة من قبل بعض الطلبة الذين لا يرغبون مواصلة تعليمهم, وبقائهم في المدرسة فترة قصيرة كمجرد (ديكور) فقط هدفهم الاول والاخير التخريب وزعزعة النظام المدرسي, وهناك كثير من الامثلة لتلك التصرفات نتيجة مجموعة من الدوافع أوجزها في النقاط التالية: 1ـ البنية الجسمية: ان الطلاب المتسربين هم على العموم اكثر نشاطاً من بقية زملائهم من ناحية العدوانية. ولا يستطيع أحدهم تصريف طاقته المتدفقة تصريفاً سوياً, بل تنفجر طاقاته على معلميه واصدقائه الطلاب. 2ـ الرغبة في اثبات الذات: فمثلاً عندما يعجز من حل ورقة الامتحان, يلجأ الى اساليب اخرى غير سوية, مثل الغش والتحدي والرفض والمشاجرة. 3ـ الاخفاق المدرسي: فمثلاً اذا تأخر الطالب في تحصيله الدراسي, اخفق في التقرب في مدرسيه وزملائه, فيتخذ سلوكاً عدوانياً تعويضاً عن شعوره بالخيبة الذي يرافق اخفاقه, ويلجأ الى العبث والتحطيم والتخريب في مرافق المدرسة. 4ـ قلة العطف والحنان او القسوة وعدم المبالاة: في كثير من الاحيان يلقى الطالب الاهمال من ابيه المنصرف عنه في عمله الخاص او الحكومي او من امه المنغمسة بالنشاطات الاجتماعية او العمل الحكومي او الخاص, مما يؤدي الى تحويل الطالب سلوكه في المدرسة الى القيام بظواهر التدخين والمشاجرة الخ. 5ـ الاستهزاء والسخرية بالآخرين في المحيط المدرسي بحجة انه سيترك المدرسة. تلك كانت تصرفات الطالب ومؤشراته قبل تسربه من الدراسة. ولكن السؤال الآن: ما العوامل التي ادت الى تسرب الطلاب من المرحلة الاعدادية في الدولة؟ الجواب هو ان مجتمع الامارات شهد تحولات عديدة في حياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية, ادت الى تغيرات علمية وتقنية وثقافية خلفت آثارها على القيم السائدة في المجتمع مما نشأ عنه بالتالي تباين في المستوى التحصيلي العلمي والخلقي بين طبقات المجتمع عامة. ونتيجة ذلك التباين ظهرت مشكلة التسرب الدراسي تدريجياً نتيجة اسباب داخلية وخارجية. * باحث من الامارات

Email