خط مباشر:نادي طرابلس، بقلم أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

غالبية المعلقين من عرب وغربيين استخفوا بمشروع العقيد معمر القذافي المتعلق بانشاء (الولايات المتحدة الافريقية) , ولم يكن اقل منهم استخفافا, رغم انهم كانوا اكثر حياء, غالبية رؤساء الدول الذين جمعهم مؤتمر قمة افريقية مؤخرا في مدينة (سرت) الليبية, وكما هو معلوم فان مشروع الدولة الافريقية الاتحادية المقترحة انتهى بعد مداولات القمة إلى شىء اكثر تواضعا واقرب نسبيا ـ نسبيا فقط ـ إلى دنيا الواقع الافريقي, وهو اتحاد فضفاض . والسؤال الذي يجب ان نطرحه هو: هل تستطيع الدول الافريقية انشاء تجمع راديكالي قوي تتوافر له عناصر التحرك والتأثير والنفوذ؟ لقد فشلت تجربة (منظمة الوحدة الافريقية) لنفس الاسباب والعوامل التي ادت إلى فشل الجامعة العربية ومنظمة عدم الانحياز, ولب هذه الاسباب والعوامل تشتت رؤى وارادات وتوجهات مختلف الدول الاعضاء, ولهذا ظل التوافق غائبا على الدوام مما يجعل القرارات التي تتخذ عند نهاية المطاف حيال هذه القضية أو تلك قرارات متهافتة حيث انها نتاج مساومات متناقضة. تأسيسا على هذه التجارب فان المطلوب على الصعيد الافريقي هو انشاء تجمع محدود العددية خارج اطار منظمة الوحدة الافريقية تماما من دول يجمع بينها تجانس في الارادة والرؤية, وبالتالي في نمط السياسات تجاه ما يجري في افريقيا وفي العالم. هذا في تقديري ما كان يجب ان تسعى اليه ليبيا القذافي عوضا عن المشروعات الطوباوية المعزولة تماما عن الواقع المعاش, ولو استدعى العقيد القذافي صورة الواقع الافريقي لدى تفكيره في مثل هذه المشروعات لاكتشف ان (ام القضايا) التي تقف وراء كل كارثة تعصف بكل الشعوب الافريقية تتمثل في مسألة عبء الديون الخارجية. في اجمالها تبلغ قيمة ديون دول القارة الافريقية حتى الان نحو 320 مليار دولار قابلة للزيادة, وتتجسد المصيبة في ان كل حكومة افريقية مضطرة إلى انفاق دخلها بالنقد الاجنبي من عائدات الصادرات بنسبة تكاد تبلغ مائة في المائة كأقساط وفوائد سنوية إلى مجموعة الدائنين الغربيين, بالتالي لا يتبقى شيء يذكر لمقابلة الصرف الجاري على استيراد السلع الاساسية الضرورية وتسيير خدمات المدارس والمستشفيات وامدادات الماء والكهرباء, فضلا عن الانفاق التنموي. بكلمة واحدة: كل الشرور التي ابتليت بها الشعوب الافريقية من بؤس معيشي وانتشار الاوبئة الفتاكة, وفي مقدمتها الايدز, مردها جذريا إلى قضية الديون. وبينما ترتفع اصوات في الغرب نفسه مطالبة بالغاء هذه الديون نهائيا, فإنه في غياب موقف افريقي جماعي, تصير هذه الاصوات صرخة في واد. واذا اخذنا في الاعتبار ان الدائنين الغربيين انفسهم يتصرفون ازاء الدول المدينة بصورة جماعية فان منطق الواقع انه لا امل للخلاف الافريقي الا بتكوين جبهة موحدة مضادة من بين الدول الافريقية المدينة. الجبهة الموحدة التي تجمع الدائنين الغربيين يطلق عليها (نادي باريس) وتتكون من حكومات وبنوك تجارية ومؤسسات مالية اهمها (صندوق النقد الدولي) . بناء على ذلك فان المشروع الواقعي المطلوب قيامه افريقيا هو جبهة الدول المدينة لتقف وقفة جماعية موحدة بازاء (نادي باريس) , ولتطلق الجبهة الافريقية المقترحة على نفسها, مثلا (نادي طرابلس) على افتراض ان المبادرة سوف تنطلق من العاصمة الليبية. واملنا ان يلتقط العقيد القذافي الخيط من هذه النقطة.

Email