هموم وطنية قبل تقاسم الغنائم، بقلم: نايف حواتمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

اثارت حوارات القاهرة الفلسطينية الأخيرة موجة من ردود الفعل المتباينة في فلسطين والشتات لدرجة اعتقد البعض من أصحاب السياسات الانقسامية بأنها حوارات تهدف لاقتسام مغانم وكعك السلطة في محاول لتقديم العملية الحوارية التوحيدية, واعطائها مضمونا آخر . أستطيع ان أجزم بكل شفافية ووضوح بأن مواضيع تقاسم كعكة السلطة لم تكن مطروحة أبدا على جدول أعمالنا في لقاءات وحوارات القاهرة, فنحن كنا مشدودين إلى انقاذ الوضع الفلسطيني واطلاق العمل على بناء الذات الوطنية والعربية وتحصينها ووضع آليات العمل والاطار السياسي وتثبيت المرجعية الوطنية المشتركة والدولية لمفاوضات المرحلة النهائية, فضلا عن النظر بأوضاع منظمة التحرير وهيئاتها المختلفة (المجلس الوطني, المجلس المركزي,...) اضافة إلى أوضاع شعبنا في الشتات خاصة في لبنان وعليه أدعو كل القوى ومنابر الرأي العام الوطنية والعربية لفحص البيان المشترك بين الديمقراطية وفتح السلطة (23 أغسطس 99) ومراقبة درجة خطوات تطبيقه كما فعلت وتفعل منابر الرأي العام الأوروبية والأمريكية. لذا فإن ما يشاع عن مناصب قيادية وزارية للجبهة الديمقراطية لا صحة له على الاطلاع, وليس لدينا مشكلة أو تهيب في اعلان موقفنا تجاه أي مسألة طرحناها أو يمكن ان نطرحها في الاجتماعات والحوارات المقبلة. وكما قلت, لم يكن أصلا مدرجا على جدول أعمالنا المشاركة بالسلطة أو اقتسام غنائمها أو هموم المحاصصة, فالمرحلة الحرجة التي يعبر فيها الشعب الفلسطيني الفترة الحالية تقتضي سموا في المواقف وتجاوزا للذات الفئوية التنظيمية رغم نزعات الهيمنة والاستحواذ لقيادات من فتح على السلطة, والتي عبر عنها علنا للاعلام (...) خارج طاولة مباحثات القاهرة, ويقابلها نزعات عبر عنها عضو مركزية فتح (...) وهو خارج السلطة بادعاء الفصل بين فتح والسلطة, وبهذا النمط من الادعاء تكمن اساءة للأخ عرفات شخصيا, فضلا عن تنظير الأخ (...) لحزب فتح القائد ودقه الأسافين في صف حوار الوحدة الوطنية, وهو بهذا يتناسى ان كل نظريات الحزب القائد, أو الواحد انهارات من الاتحاد السوفييتي إلى البلاد العربية, وأدت إلى الكوارث الماثلة أمام الجميع رغم انه لا يزال في بلادنا من يصارع في خدمة هكذا سياسات من موقع (أكل البيضة وقشرتها) أو من الموقع الآخر الذي يفصل بين السلطة والحكم والحزب (أو التنظيم الواحد) ليجمع أيضا بيديه (أكل البيضة وقشرتها) . اننا ننظر إلى القضايا الوطنية بمنظار المصلحة العليا للشعب الفلسطيني أولا وللعرب ثانيا, وليس اقتسام الكعكة كما ذكرت. ويمكن العودة إلى جميع الأخوة المشاركين في الاجتماعات التي جرت وتوجيه السؤال لهم, كي نلحظ سويا بأن الهم الوطني وانقاذ الوضع الفلسطيني وحده شكل جدول أعمال الحوارات التي عقدت على ساحة يومين (22 ـ 23 أغسطس), ولقاء مغلق بين الأخ أبو عمار وبيني. من جانب آخر كنا نتمنى لو جرت الحوارات بلقاءات جماعية تشارك بها القوى الرئيسية المؤسسة لائتلاف منظمة التحرير ليتم لاحقا توسيع دائرة الحوار بين الجميع ومع الجميع. هذا ما كنا نأمله ونتمناه وعملنا له قبل ثلاث سنوات منذ ان اطلقت الجبهة الديمقراطية المبادرة الوطنية التوحيدية في فبراير 1997 بعد مراجعة نقدية وذاتية ووطنية شاملة أمام وفود حزبية عربية ومؤسسات الاعلام العربية على مساحة دورة اللجنة المركزية الموسعة, ومنذ ان جددنا وطورنا هذه المبادرة عبر قرارات مؤتمرنا الوطني العام للجبهة الديمقراطية في مايو 1998, وما زلنا إلى الآن نعتقد بأن الحوار المشترك بمشاركة القوى الرئيسية المؤسسة لائتلاف منظمة التحرير كان يمكن ان يكون أكثر انتاجية وأكثر ثماراً منه على عقد حوارات ثنائية, وعليه كانت الدعوة المشتركة في فتح والديمقراطية يوم 23 أغسطس لعقد جولة الحوار الوطني التمهيدي يوم 31 أغسطس في رام الله وعلى أمل وضع آليات الحوار الشامل في الوطن والشتات. نحن نرحب بالحوارات التشاركية الواسعة, ومع اعداد أوراق عمل تستوعب لقاءات القاهرة الأخيرة التي عقدت بين فتح والسلطة من جهة والجبهتين من جهة ثانية فسياستنا المتواصلة تقدم المفاتيح الملموسة للحوار الوطني الشامل, والآن نأمل بالحوار التمهيدي الذي تم في رام الله 31 أغسطس بين جميع فصائل منظمة التحرير ان يشكل المدخل لحوار شامل يضم أيضا حركتي حماس والجهاد الاسلامي يعقد في الوطن والشتات, وفي العواصم العربية التي تستضيف الحوار الوطني الشامل. ان دعوة الحوار الوطني الشامل ليست جديدة بالنسبة لنا كما قلت منذ لحظات, أضيف مكررا القول بأن الانقاذ الوطني للوضع الفلسطيني يتطلب وقف المكابرة وعودة الجميع إلى البرنامج الائتلافي المشترك ومغادرة البرامج والمشاريع الفئوية والأنانية الخاصة. أما ما صدر من تصريحات حول اجتماع رام الله قد تم فعلا في 31 أغسطس كما دعونا في البيان المشترك في القاهرة يوم 23/8/99, وتم اللقاء الوطني بحضور كل القوى والفصائل الفلسطينية الموجودة على الأراضي المحتلة بما في ذلك توجيه دعوة لحركتي حماس والجهاد الاسلامي, ونعتقد بأن تلك الجلسة الحوارية تأتي في السياق ذاته للحوارات الوطنية التحضيرية في رام الله وغزة وبعدها انتقلت إلى القاهرة, ونعتقد بوجوب استمرارها وكسب عامل الوقت على طريق تهيئة الوضع الفلسطيني أمام المرحلة القريبة المقبلة بكل استحقاقاتها. وفي السياق ذاته, فإن مفاوضات المرحلة النهائية بدأت بواكيرها تطل على مصائر الوطن والشعب وحقوقنا الوطنية بتقرير المصير والدولة المستقلة والعودة وانهاء المرحلة الانتقالية الأوسلوية, أو التراجع تحت ضغط باراك والادارة الأمريكية إلى سياسة الخطوة خطوة التي لم تأت بالسلام الشامل طيلة سنوات أوسلو الست ولا تبشر بها حالها حال مصير صخرة سيزيف الشهيرة, ونعتقد بأن المعركة المقبلة ستتمحور على ماهية هذه المفاوضات وآلياتها واطارها السياسي فضلا عن مرجعيتها الدولية والفلسطينية. فهذه المسألة كانت عنوانا رئيسيا في حواراتنا في القاهرة. فنحن على ادراك بأن المرحلة المقبلة تحمل استحقاقات كبيرة تمس مصائر ومستقبل الوطن والشعب الفلسطيني لسنوات طويلة مقبلة والأكثر من عشرية من السنين بينما زحف التهويد والاستيطان لا يتوقف. ومن هذه الاستحقاقات مفاوضات المرحلة النهائية بعد ان انتهت المرحلة الانتقالية (4/5/1999), وبعد ان انتهى مفعول تواقيع من رعاها (الولايات المتحدة, روسيا), لذا فنحن الآن أمام منعطف جديد يتطلب اعادة توحيد كل الأدوات الكفاحية بيد الشعب الفلسطيني تحت راية وقيادة منظمة التحرير باعتبارها الاطار الائتلافي الواسع المعبر والناطق باسم كل الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل والشتات. إضافة إلى ضرورة تحديد الآليات والاطار السياسي والمرجعية الدولية والفلسطينية لمفاوضات الحل الدائم, والآن نحذر من ضغوط باراك للربط بين (الواي) واعلان مبادئ أوسلوي جديد يدير ظهره لقرارات ومرجعية الشرعية الدولية ويحشر القضايا الكبيرة في عنق زجاجة ما يتفق عليه الطرفان الاسرائيلي والفلسطيني عملا بميزان القوى المختل لصالح الاحتلال والاستيطان بديلا عن الانتقال للمفاوضات الشاملة على أساس قرارات الشرعية الدولية 242, 338, 194, 273 والمرجعية الائتلافية الوطنية تحت اشراف منظمة التحرير والمرجعية الدولية (الاتحاد الأوروبي, الصين, اليابان, روسيا بجانب الولايات المتحدة الأمريكية) فالتراجع تحت ضغط باراك هو عودة إلى مربع ترك زمام القوة مختل لصالح الدولة العبرية وهذا هو السبب الرئيسي وراء تعديلات باراك لاتفاق (الواي) وتوقيع الواي رقم 2. نحن على قناعة كاملة بأن اعادة بناء عناصر التوازن الفلسطيني لمفاوضات الوضع النهائي تتطلب: 1ـ الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة ائتلافية بين الجميع في الداخل والخارج. 2ـ بناء استراتيجية نضالية سياسية وتفاوضية فلسطينية جديدة على قاعدة قرارات الشرعية الدولية واطار ورعاية المرجعية الدولية. 3ـ اشراف ائتلاف منظمة التحرير الكامل على مفاوضات المرحلة النهائية باسم الشعب الفلسطيني وتحت ادارة هيئة قيادية ائتلافية وطنية كما تقرر بالبيان المشترك في 23 أغسطس 1999. هذه هي العوامل الرئيسية في رسم سياسة فلسطينية مغايرة لسياسة التنازلات والاملاءات. وهذه السياسة هي التي تفتح على توليد مفاوضات اقليمية وعربية ودولية مساندة وداعمة وضاغطة على دولة الاحتلال لفرض قرارات الشرعية الدولية مثل بيان قمة برلين للاتحاد الأوروبي (مارس 99) الخ. عند ذاك سنكون شركاء طبيعيين في أي مفاوضات للحل الدائم, فهذه المفاوضات مسؤولية جماعية ولا يحق لأي طرف فلسطيني مهما كان وزنه أو دوره ان ينفرد بها, وان يقرر مصير الوطن والشعب وحده بدون العودة إليه. وفي السياق ذاته طرحنا ضرورة استفتاء الشعب الفلسطيني كي لا يكون الشعب في واد وحقوقه الوطنية في الواد الآخر. هذه هي أدوات القياس التي حددها بيان القاهرة المشترك وهي ميدان الاختبار. ولا أخفي بأن المسألة المتعلقة بالمرجعية الدولية لمفاوضات الحل الدائم بقيت بدون حل كامل بينا في القاهرة كما ان البند المتعلق باستفتاء الشعب الفلسطيني حظي بنقاش كبير قبل اقراره بالشكل الذي ورد بالبيان الختامي لأعمالنا يوم 23/8/1999. * أمين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

Email