معركة التوطين .. ضد من؟بقلم: فاطمة شعبان

ت + ت - الحجم الطبيعي

يجمع الفرقاء اللبنانيون على اختلاف اتجاهاتهم على رفض توطين الفلسطينيين في لبنان, وهذه من المرات النادرة التي يجمع فيها اللبنانيون على موقف موحد. وفي الآونة الاخيرة تعالت الأصوات اللبنانية مرة اخرى ضد توطين الفلسطينيين بعد تصريحات كل من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون حول حق اللاجئين في الاقامة حيث شاؤوا, ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك حول رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين . وكان الصوت اللبناني عاليا في رفض مشاريع التوطين في لبنان. ولا شك بأن الموقف اللبناني المجمع على عدم توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان موقف ايجابي, رغم انه يعكس مخاوف مفهومة على وضع التوازن الطائفي والمذهبي اللبناني, فتوطين الفلسطيني في لبنان يؤثر على هذا التوازن ويجعله مختلا لصالح طائفة معينة حسب ما يعتقد اللبنانيون, ولكن هذا الموقف الايجابي يحمل مفارقة مرة, حيث يحمل الفلسطينيين مسؤولية التوطين, وهناك في لبنان ما أسماه الصحفي اللبناني جهاد الزين (هستيريا التوطين) ولكن هذه (الهستيريا) موجهة اساسا ضد الفلسطينيين, وكأن الفلسطينيين هم اصحاب مطلب التوطين في لبنان أو غيره. ان معركة التوطين معركة مشروعة للبنانيين والفلسطينيين, ولكن هذه المعركة ضد من؟ في الحالة اللبنانية هناك حرب غير معلنة على الفلسطينيين, وقد تجاوز عمر هذه الحرب اكثر من عقد من الزمن, وهي لم تبدأ عندما صرح الوزير اللبناني نقولا فتوش بعد ابعاد حكومة رابين لاربعمائة فلسطيني من التيارات الاسلامية الى الجنوب اللبناني, عندما قال ان (لبنان ليس مكبا للنفايات البشرية) . فمنذ سنوات والاوضاع الانسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان, أوضاع مأساوية لا يمكن السكوت عنها, ولو تمت بذريعة ان هناك مشاريع توطين للفلسطينيين في لبنان, فالكارثة التي تعرض لها اللاجئون الفلسطينيين ومازالوا بعد خمسين سنة من وقوعها يدفعون ثمنها, والتوطين فاتورة اضافية يدفعها الفلسطينيون من حسابهم, وهم الذين أقرت لهم الشرعية الدولية الحق بالعودة الى وطنهم. لا يريد اللبنانيون ان يدركوا ان التوطين ليس خيار اللاجئين الفلسطينيين بل هو مشروع يسعى لالغائهم نهائيا, فهم يريدون الفلسطينيين بعيدا عنهم سواء كان الحل بالنسبة لهم العودة او التوطين. فإذا كان الحل هو العودة, وهذا مستبعد في ظل المعطيات القائمة والمنظورة. فهذا جيد حيث يتخلص اللبنانيون من الفلسطينيين, واذا كان الحل التوطين, فليوطنوا في أي مكان غير لبنان, وبذلك ايضا يتخلص اللبنانيون من الفلسطينيين, فكل الصراخ اللبناني يهدف في نهاية الامر للخلاص من الفلسطينيين بأي شكل من الاشكال, لذلك منذ سنوات لا ينتظر اللبنانيون الحل الذي ستسفر عنه المفاوضات, انما يتخذون اجراءات ويمارسون سياسات منذ سنوات تحاصر الفلسطينيين في لبنان. فالمخيمات اللبنانية محاصرة منذ سنوات طويلة, ويمنع ادخال حتى المسامير اليها, وأية كمية من الاسمنت حتى لو كانت كيلوجرام واحد, بذريعة ان هذا الكيلوجرام سيعيد اعمار المخيم, فعلى الفلسطيني من سكان المخيمات اذا تشقق سقف بيته ودلف الماء ألا يصلحه, لأن اصلاح السقف يعني التوطين, حسب بعض اللبنانيين. وعلى المستوى القانوني يُمنع الفلسطينيون في لبنان من مزاولة اكثر من ستين مهنة, وهناك عشرات الاطباء والمهندسين غير قادرين على ممارسة مهنتهم لأنهم لا يستطيعون الحصول على ترخيص. حتى ان بعض اللبنانيين يأتون بخدمهم من الفلبين في الوقت الذي يُمنع على الفلسطينيين القيام بمثل هذا العمل. ولقد نجحت الاجراءات اللبنانية على مدى السنوات العشرين الأخيرة في ابعاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين من لبنان. فمن اصل 366 الف فلسطيني, يقدر الفلسطينيون الذين هجروا لبنان جراء السياسات اللبنانية بـ 150 ألف لاجىء. ان رفض سياسة التوطين لا يعني اذلال الفلسطينيين, فهم ضحايا الكارثة وليسوا من صنعها, ومعاملتهم بطريقة غير انسانية يحفر جرحا غائرا لا يمكن شفاؤه. ان معركة التوطين هي معركة فلسطينية ـ لبنانية في مواجهة مشاريع التوطين, وليس معركة لبنانية ضد الفلسطينيين في لبنان. فلم يكن يوما ولن يكون خيار التوطين هو خيار اللاجئين الفلسطينيين. * كاتبة فلسطينية

Email