مصر والنيل وجنوب السودان، بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا تعارض مصر انفصال جنوب السودان؟ هذا السؤال الكبير ليس مطروحا بمناسبة مشروع المصالحة بين الحكومة السودانية والمعارضة الذي تتبناه مصر بالمشاركة مع ليبيا, فمشروع المصالحة, على اهميته وحيويته واتصاله الوثيق بأمر استقرار العلاقات المصرية السودانية تطور عرضي نسبيا, بينما الرؤية المصرية الى مستقبل جنوب السودان نابعة من هاجس استراتيجي ثابت. بكلمة واحدة, النيل ومياه النيل . قبل 40 عاما ابرمت مصر مع السودان اتفاقا ثنائيا لاقتسام مياه النيل حظيت بموجبه مصر بحصة وافرة راعى فيها الطرفان ليس الاحتياجات الآنية انذاك فحسب, بل ايضا معدلات الاستهلاك المائي المستقبلي للشعب المصري والمشروعات المائية اللازمة لذلك وفي مقدمتها مشروع (السد العالي) الذي شرع في انشائه عام 1961, بعد عامين فقط من توقيع الاتفاق الثنائي مع السودان. في ذلك الحين لم يرتفع صوت واحد بين بلدان حوض النيل الافريقية كاحتجاج على الانفراد المصري السوداني في قسمة مياه النهر الكبير وفروعه, كانت تلك البلدان اما لامبالية او مشغولة بهواجس اخرى, ففي اثيوبيا هيلاسلاسي لم تكن هناك اولوية لاي تخطيط تنموي زراعي او صناعي بما يستلزم التفكير في مشروعات ري. اما بلدان شرق ووسط افريقيا فقد كانت اغلبيتها منغمسة في معارك دستورية وسياسية من اجل نيل استقلال وطني من الادارات الاستعمارية الاوروبية. واهم من هذا وذاك لم يكن انفصال جنوب السودان عن شماله واردا حتى كخاطرة اولية, رغم ان حالة التمرد الجنوبي كانت نشطة. الآن وابتداء من الثمانينات, وخاصة في التسعينات اختلفت الصورة تماما, وابرز معلم للصورة الجديدة ان دول حوض النيل في شرق ووسط افريقيا ترفع صوتها عاليا مطالبة بقسمة جديدة لمياه النيل.. وفي هذا السياق تشتمل المطالبة على الغاء الاتفاقية المصرية السودانية جملة وتفصيلا كتمهيد لتفاوض جديد تشارك فيه دول حوض النيل قاطبة.. البالغ عددها الآن عشرا. ما علاقة هذا بمسألة انفصال الجنوب السوداني؟ ان انفصال جنوب السودان بطريقة او باخرى يعني بطبيعة الحالة قيام دولة مستقلة ذات سيادة في ذلك الجزء من وسط افريقيا, وقطعا سوف تنضم مثل هذه الدولة الى التجمع الافريقي الراهن لدول حوض النيل في المطالبة باعادة النظر في اقتسام مياه النيل. ولنعد الى الاذهان ان مصر هي الدولة الوحيدة من بين كل دول حوض النيل (اثيوبيا وكينيا واوغندا وتنزانيا والكونغو ورواندا وبوروندى واريتريا, بالاضافة الى مصر والسودان) التي تعتمد على النيل بحسابات الحياة او الموت, فمصر بدون النيل مجرد صحراء قاحلة من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها, اما بقية الدول الاخرى فان لها موارد مائية اضافية كالامطار والمياه الجوفية.. وانهار اخرى. وحتى دون قيام دولة مستقلة في جنوب السودان, فان حصة مصر من المياه تظل مهددة بالنقصان مما يعتبر حكما بالاعدام على اي مشروع مائي او زراعي مصري في المستقبل, من اجل مقابلة الاحتياجات السكانية لثلاثة وستين مليون مصري يزيد تعدادهم بنسبة 4 في المائة سنويا. من الواضح اذن ان مصر سوف تتضرر من قيام دولة جديدة في الجنوب السوداني تنضم الى (حزب المعارضة) بين دول حوض النيل ويضاعف من الخوف المصري ان الامر يتخذ طابعا سياسيا غير معلن, فمجموعة دول حوض النيل في وسط وشرق افريقيا, خاصة الدول الواقعة على المنبع في منطقة البحيرات العظمى تتحرك الآن استراتيجيا باصابع نفوذ اسرائيلي في تلك المنطقة مدعوم بتشجيع امريكي.

Email