نظرية (الشياطين والملائكة)،بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بنيامين نتانياهو ينظر الى الضفة الغربية لنهر الاردن من منظور ديني (توراتي) ... فهي ارض مقدسة لـ شعب الله المختار،الجنرال ايهود باراك يراها من منظور امني عسكري انطلاقا من(الامن القومي)لدولة اسرائيل .ما الفرق اذن بين رؤية نتانياهو ورؤية باراك من منظور المصير الفلسطيني اذا كان هناك اجماع قومي اسرائيلي على ألا تتحول الضفة الغربية الى دولة فلسطينية مستقلة بكل ما تعني الكلمة في القانون الدولي من معاني السيادة الكاملة بما في ذلك ان يكون لها جيشها الوطني؟ ماذا يهم من زاوية الرؤية الفلسطينية ان يكون في اسرائيل رؤيتان, احداهما مبنية على اعتبارات (توراتية) غيبية والاخرى على اعتبارات امنية براجماتية اذا كان الهدف الاستراتيجي عند نهاية المطاف هو فرض سيادة اسرائيلية مغلفة على الضفة الغربية؟ لذلك فان من المدهش حقا ذلك التحمس الذي كانت تبديه القيادة الفلسطينية ومعها قيادات عربية اخرى تجاه الجنرال باراك اثناء خوضه معركة الانتخابات ضد غريمه السياسي نتانياهو. وعندما اسفرت المعركة الانتخابية الاسرائيلية عن فوز باراك ارتقت الحماسة الفلسطينية والعربية الى مستوى بشارة وتبشير واشاعة تفاؤل بأن الفرج على يد باراك صار في متناول اليد. ان نظرية (الشياطين والملائكة) , في عصر ثورة المعلومات, هي آفة العرب جميعا, قادة وشعوبا. وبناء على (منطق) هذه النظرية فانه ما دام بنيامين نتانياهو رمز الشر فان ايهود باراك (يجب) ان يكون بالضرورة رمز الخير. وعلى هذا الاساس يتسابق العرب في المراهنة على (الفارس) الجديد الى ان تثبت الاحداث والتطورات على الصعيد التطبيقي انها كانت مراهنة على وهم. وفي هذه الحالة تنشأ صدمة يعقبها صمت غير بليغ. ولنواجه انفسنا: ان نظرية (الشياطين والملائكة) تعبير عن عجز عام.. والعجز العام بدوره تعبير عن ذروة الحيرة.. تلك الحيرة الناتجة عن غياب مشروع قومي يتضمن موقفا قوميا عربيا تجاه العالم المتحرك, وبحثا جسورا لموقع عربي في مقدمة الصفوف. هل حقا نعيش عصر اضمحلال عربي؟ اقول.. وانا جزء من هذا العصر.. ان الاجابة تظل بنعم طالما لم يتبلور مشروع قومي. اننا نقول لأنفسنا ان امريكا هي القوة العظمى الاولى والاخيرة في عالم اليوم. هذه حقيقة لا يمارى فيها الا ساذج او مخبول. لكن ما نستنبطه من هذه الحقيقة الكبرى هو غير ما يستنبطه اخرون. فبينما نقول لانفسنا انه لا خيار لنا سوى الاستسلام يقول الصينيون واليابانيون ـ ومن قبلهم الاوروبيون ـ ان امريكا ليست (سيوبرمان) وان قوتها هي في الاول والاخر قوة بشرية ليست بلا حدود.. وان التاريخ فوق هذا وذاك دورات يصنعها بشر. وللاسرائيليين على الجانب الاخر مشروع قومي ظل ثابتا لاكثر من مائة عام فمنذ ان صدع ابو الحركة الصهيونية العالمية ثيودور بمشروع (الوطن القومي اليهودي) في اواسط ثمانينات القرن الماضي ظل ويظل هذا الهدف الاكبر الاساس الاستراتيجي الثابت للحركة الصهيونية الى يومنا مضافا اليه بطبيعة الحال ضرورة المحافظة على هذا (الوطن) . وعندما يجلس وفد اسرائيلي اليوم على مائدة تفاوض تجاه وفد فلسطيني فانه اذ يستوحى الطرف الاسرائيلي في مسار تفاوضه مبادئ المشروع القومي الصهيوني فان الطرف الاسرائيلي لا يستوحى شيئا سوى فنيات التفاوض الذي ينطلق من فراغ فلا يثمر فلسطينيا الا مساومات مشفوعة بتنازلات لا تقف عند حد. وهذا هو الفارق الاكبر بيننا وبينهم.

Email