الحمد لله لانني بعد هذا العمر الطويل, عشت وشفت الحكومة تخطىء في حق مواطن شريف, ثم تقوم باصلاح الخطأ في صمت وفي هدوء ودون تدخل من احد , وهي علامة على ان حكومة الجنزوري تمضي في الطريق الصحيح, وأصل الحكاية ان اكبر رأس في البلد كان يقوم بافتتاح بعض المشروعات الجديدة كما هي عادته, عندما وقع بصره على خطأ فاحش لايمكن وقوعه الا عن طريق الكوسة وتبادل المنافع والمصالح والاكراميات, وسأل الرجل الكبير السيد المحافظ عن هذا الخطأ الذي لايمكن ان تتجاهله عين المواطن العادي, فما بالك بالمواطن الخبير, ورد السيد المحافظ على الفور.. انها مسؤولية رئيس الحي وسنتخذ ضده الاجراءات القانونية, ولم يكن الرجل الكبير قد عاد الى مكتبه بعد حتى كان المحافظ قد اتخذ قراره بوقف رئيس الحي واحالته الى النيابة, والنيابة ليست وليلة المحافظ ولكنها وليلة الشعب, ولانها وليلة الشعب فهي تبحث عن الحقيقة, واكتشفت النيابة ان رئيس الحي مظلوم لانه تولى مسؤولية الحي بعد عشر سنوات من وقوع الخطأ, وان ذنبه الوحيد انه على خلاف مع السيد المحافظ, وان المحافظ انتهز الفرصة لكي يتخلص من غريمه مرة واحدة والى الابد, وافرجت النيابة عن رئيس الحي من سراي النيابة, وقضى رئيس الحي المخلوع 18 شهرا على القهوة يلعب الطاولة ويدمن الشيشة, ولكن فجأة وبدون مقدمات صدر قرار الحكومة في حركة المحليات الاخيرة بتعيين رئيس الحي المخلوع رئيسا لمدينة كبرى, دليل على ان الله لايضيع اجر من احسن عملا ودليل ايضا على ان الحكومة يمكنها تصحيح اخطائها, ولكن يبقى سؤال في غاية الاهمية, ماهو جزاء المحافظ الذي كذب على اكبر رأس في الدولة؟ وما هي العقوبة التي يستحقها المحافظ ــ اي محافظ ــ عندما يكتب مذكرة رسمية مرفوعة لرئيس الدولة يصف فيها مواطنا صالحا مشهودا له بالصلاح والاستقامة من الجميع بأنه بلطجي معروف؟ وما هو غرض المحافظ من اتهام مواطن بالبلطجة؟ هل كان يريد ضوءا اخضر لاعتقال المواطن؟ وماذا يكسب المحافظ من اعتقال مواطن شريف خدم النظام والشعب بهمة ونشاط وامانة ليس لها نظير؟ ماهو عقاب مثل هذا المسؤول الذي مارس الكذب بطريقة لاتليق برجل في موقعه, واخطر شيء على الدولة ــ اي دولة ــ ان يكون في موقع المسؤولية بعض القيادات التي تمارس الكذب من اجل مصالح شخصية. ولكن ما حدث مع رئيس الحي الذي اصبح رئيسا للمدينة يجعل الامل يراودنا في عصر جديد, عصر تعود فيها الحقوق لاصحابها دون وساطة. وستحسب هذه الواقعة بالتأكيد لحكومة الدكتور كمال الجنزوري, وستضاف ايضا الى حساب الرجل الشريف هتلر طنطاوي رئيس الرقابة الادارية, وستدخل في رصيد المحافظ الطاهر اليد واللسان الدكتور فاروق التلاوي. اذكر مرة منذ اكثر من 35 عاما انني فوجئت باسمي في قائمة تضم عدة اسماء لرجال تتشرف بهم مصر, رجال امثال محمد عودة ولويس عوض واحسان عبدالقدوس, وكانت المناسبة هي تجريد اهل القائمة من عضوية الاتحاد الاشتراكي, في الوقت الذي كانت فيه العضوية شرطا ضروريا للعمل في الصحافة, اما الجريمة التي نسبت الينا فهي انهيار الوحدة بين مصر وسوريا مع انني كنت مسجونا في سجن المحاريق بالواحات الخارجة في زمن الوحدة. ولم تطأ قدمي ارض سوريا اثناء الوحدة, صحيح انني قضيت وقتا طويلا في دمشق قبل الوحدة, وكنت على علاقة صداقة وطيدة برجال امثال اكرم الحوراني وصلاح البيطار وعفيف البزرى وكاظم زيتونة وعبدالغني قنوت واخرين امثالهم من الذين افنوا العمر في سبيل الوحدة العربية لم اكن احد اركان مكتب المشير عامر, ولم اكن احد مفوضي الحكومة في دمشق, ومع ذلك وجدت نفسي مفصولا من الاتحاد الاشتراكي. وسيعقبها بالطبع فصلي من الصحافة بسبب انهيار الوحدة اللي ما يغلبها غلاب! وحفيت قدماي لمدة عام كامل, وانا انتقل من مكتب الى اخر ومن لقاء مسؤول الى مسؤول اخر, وفي النهاية تم الغاء القرار السابق ولكن دون رد اعتباري بتعييني في منصب كبير بالاتحاد الاشتراكي, او في امانة عامة عوضا عما جرى لحضرتنا خلال فترة الايقاف تمهيدا للفصل النهائي, ولم ينقذني من محنتي في تلك الايام الا الدكتور انور المفتي, اعظم طبيب انجبته امة محمد في تاريخها الطويل. فرصة العمر على رأي الكابتن محمد لطيف, تكاد الرأسمالية المصرية ان تضيع فرصة عمرها, وهي الفرصة التي هيأها لها نظام حسني مبارك, ازاح الرجل من طريقها كل العراقيل, وحصنها بكل الضمانات ووفر لها كل الامكانات, هدفه الوحيد ان يرى مشروعات عملاقة على ارض مصر, مشروعات تستوعب عمالة كثيرة, وتفتح بيوتا تضم عائلات من شباب مصر, ولكن الرأسمالية المصرية لاتتعلم من اخطائها وظهرت طائفة من الهباشين, هبرت من البنوك, ونصبت على المصريين, ولكن امر هؤلاء هين, فأجهزة الامن لهم بالمرصاد والقضاء كفيل بهم, وهناك طائفة اخرى من فصيلة دراكولا, هوايتهم الوحيدة مص دماء الناس, على رأس هؤلاء رأسمالي مصري شهير اسمه ساويرس, وفي البداية تصورت انه مستثمر اجنبي ثم اكتشفت اخيرا انه مصري من صلب مصري.. واذا كانت الصدفة لم تجمعني بالاخ ساويرس في اي وقت, فقد اعترض طريقي بشدة عندما اصبح ملك التليفون المحمول, الفواتير تنهمر على دماغ العبدلله كما المطر في لندن, اخر فاتورة دفعتها بمبلغ 450 جنيها مصريا كل جنيه ينطح جنيه, الفاتورة الثانية وصلت العبدلله بعد اسبوعين, الشركة تطلب مائة جنيه فقط لانني لم استعمل التليفون خلال هذا الشهر لسفري الى الخارج, ومع ذلك قلت مرحبا بالفاتورة الجديدة, ولكن ماذا في الفاتورة الجديدة؟ مائة جنيه عن هذا الشهر, و350 جنيها من حساب الشهر الماضي, اي شهر ماضي يا ساويرس؟ عجايب, لماذا الرأسماليون المصريون وحدهم من فصيلة (حتتك بتتك) لابد من مسح جيوب الزباين حتى اخر مليم احمر, والاكادة ان العم ساويرس ينطبق عليه قول المتنبىء.. جوعان يأكل من زادي ويطعمني لكي يقال عظيم القدر مقصود! العم ساويرس بشرني في خطابه بأنه تكرم وتفضل وتنازل بمنح العبدلله عدة دقائق مجانا ولوجه الله تعالى وسيحدث الخصم على الفاتورة باذن واحد احد, صاحب المحل راجل طيب وكريم, ولذلك فلابد من الاعلان عن هذا الكرم على الفاتورة نفسها وبخط واضح حتى يعلم الجميع ان الدنيا بخير ولايزال فيها ناس طيبون! طيب ما رأيك ياعم ساويرس؟ العبدلله يرفض هديتك التي ليس لها مثيل في تاريخ البشر, واقول لسعادتك من باب العلم فقط, انني اثناء زيارتي الاخيرة لبريطانيا, اتصلت بشركة تليفونات اهلية واشتركت في المكالمات الخارجية بمبلغ 50 جنيها فقط, هل تعلم ياعم ساويرس كم اعطتني مجانا؟ اعطتني 60 دقيقة لبلد واحد على ثلاثة ايام بدون اجر على الاطلاق ومنحتني هذا الامتياز, وهي تمنحه لكل الناس بدون منة ولا اعلان, واقول لك ياعم ساويرس.. فاتورة تليفونك وفاتورة الكهرباء وفاتورة الدروس الخصوصية هي السبب في كساد الاسواق لايتبقى من فلوس الناس فائض للصرف منه في الاسواق بعد تسديد الفواتير. واقول لك في النهاية انها فرصة العمر هيأها لكم نظام حسني مبارك, اذا لم تغتنموها بالسلوك الطيب والعادل والرحيم بشعب مصر, فالعاقبة ليست في صالحكم ولا في صالح مصر لان التجارة ليست شطارة فقط, ولكنها شطارة ورعاية لمصلحة التاجر ومصالح كل المصريين. اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد!