بوتفليقة... رجل المرحلة: بقلم- محمد سالم باسندوه

ت + ت - الحجم الطبيعي

تميزت معركة الانتخابات الرئاسية في الجزائر الشقيقة هذه المرة بالجدية اكثر من سابقتها قبل اعوام كما تجسد ذلك في بلوغ حمى المنافسة ذروتها, ذلك لأن من خاضوها كمرشحين كانوا جميعهم او معظمهم من ذوي الوزن الثقيل, وألمع الشخصيات التاريخية المعروفة فضلاً عن كثرة عددهم ... وبقدر ما حظيت هذه المعركة الانتخابية بتفاعل واهتمام الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الجزائري الشقيق, فقد استحوذت بالمثل على اهتمامات الكثير من المواطنين في الاقطار العربية الاخرى, والرأي العام في العالم, لدرجة ان الكل ظلوا يتابعونها, وينتظرون ما ستسفسر عنه بشغف ولهفة... وأخيراً اصدر الناخبون الجزائريون حكمهم, واختاروا من يريدونه رئيساً لبلادهم خلال السنوات القادمة... لكن النتيجة التي تمخضت عن الاقتراع الشعبي العام, والمتمثلة في فوز الاستاذ عبد العزيز بوتفليقة لم تكن مفاجأة لمن كانوا يعرفون انه المرشح الذي تتوفر فيه مؤهلات الرئيس الذي تحتاجه الجزائر لقيادتها في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها, ذلك أنها في مسيس الحاجة الى قائد قادر على لملمة شتاتها, وتوحيد صفوف شعبها, وتمكينها من استعادة مكانتها المرموقة, ودورها الفاعل ــ سواء على الصعيد الاقليمي, أو على الصعيد القومي, أو على الصعيد العالمي... ومن يعرف الرئيس الجزائري المنتخب عن كثب لا يملك الا ان يقر بأن وقوع الاختيار عليه كان عين الصواب, اذ اعطيت القوس لباريها... فلقد اتاحت لي علاقتي الطويلة معه فرصة الوقوف على المقومات والخصائص, والمزايا التي يتمتع بها... فالى جانب كونه ثائراً مناضلاً, اذ شارك في ثورة الجزائر منذ صباه وباكورة شبابه فانه سياسي مخضرم مشهود له بالذكاء, والكفاءة والثقافة, وسعة الاطلاع, ولديه رصيد حافل من التجارب, وشبكة علاقات واسعة مع قادة وساسة العديد من الدول العربية والافريقية, والآسيوية, والامريكية اللاتينية, وغيرها من دول العالم مما يجعله في غير حاجة الى التعريف بنفسه, خاصة وأن شهرته قد ملأت الآفاق... ولدى عمادته للدبلوماسية الجزائرية على مدى عقد ونصف العقد كان يعتبر من ابرز الشخصيات السياسية العربية والدولية, اذ كان يتألق في مختلف المؤتمرات والمحافل القومية والعالمية التي كان يحضرها ممثلا للجزائر.. واستطاعت بلاده في عهده كوزير للخارجية ان تحتل مكانة قيادية بارزة بين مجموعة الدول الافريقية ودول العالم الثالث لدرجة انه كان يحسب لمواقفها الف حساب وحساب.. وقد تم انتخابه رئيسا لاحدى الدورات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة فيما قام بأدوار كبيرة في التأثير على مداولات وقرارات العديد من اجتماعات وزراء الخارجية العربية ومؤتمرات دول عدم الانحياز منذ منتصف الستينيات وحتى اواخر السبعينيات.. وكثيرة هي الادوار التي قامت بها الجزائر أثناء وجوده على قمة الدبلوماسية فيها, اذ تولت حل النزاع الحدودي بين العراق وايران الذي توج بتوقيع نائب الرئيس العراقي اذ ذاك ــ صدام حسين ــ وشاه ايران على اتفاقية الجزائر في عام 1975, وساهمت في إنهاء النزاع بين شطري اليمن عام 1979 وفي اطلاق سراح الدبلوماسيين الامريكيين الذين كان قد جرى احتجازهم في مبنى السفارة الامريكية بطهران من جانب الطلبة الايرانيين بقيادة شيخ الاسلام ــ سفير جمهورية ايران الاسلامية الان لدى الجمهورية العربية السورية ــ, بالاضافة الى تحرير بعض وزراء البترول العرب الذين كان قد اخذهم الارهابي الدولي كارلوس كرهائن.. كما نجحت الجزائر مع مصر عبدالناصر في اقناع الدول الافريقية بالوقوف مع قضايا امتنا العربية لدرجة ان معظم تلك الدول ظلت ترفض اقامة علاقات مع اسرائيل.. ومع ذلك يظل صحيحا القول بان القضايا والمشاكل التي ينتظر منه حلها ومعالجتها ليست من السهولة بمكان, وانما تتطلب منه بذل جهد جهيد.. غير انني واثق, كل الثقة, من قدرته على تحقيق الكثير, لاسيما وانه امضى الفترة الطويلة التي قضاها بعيدا عن السلطة يتقصى الاسباب والعوامل, ويدقق في الأخطاء والسلبيات التي أدت الى هذا الوضع الصعب الذي وصلت اليه الجزائر حتى أصبح لديه تصور شامل لما ينبغي عليه عمله من اجل اعادة اللحمة الى سداها, واخراج بلد المليون شهيد ومائة الف ضحية من أزمتها, وتمكينها من استئناف مسيرتها التنموية, واستعادة مكانها, واسترداد دورها الفاعل على الصعيدين القومي والدولي.. غير انه يتعين على كل الجزائريين والعرب الوقوف معه, ومع الجزائر الشقيقة.. فهنيئا للجزائر برئيسها الجديد عبدالعزيز بوتفليقة.. وهنيئاً له بثقة شعبه الأصيل.. وأعانه الله على الاضطلاع بمهامه الجسام, وانجاز ما يتمنى تحقيقه لبلده خلال فترة رئاسته.. السفير اليمني لدى الدولة

Email