لماذا تفضل الادارة الامريكية حزب العمل الاسرائيلي في السلطة؟ بقلم- فاطمة شعبان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك بأن الحكومة الاسرائيلية بزعامة بنيامين نتانياهو سببت بعض الحرج للادارة الامريكية من خلال سياستها المتعنتة تجاه عملية المفاوضات , حيث ظهرت اسرائيل في ظل هذه الحكومة اليمنية غير قادرة على تقديم اي تنازلات لدفع العملية إلى الامام, ولم يتعلق الامر باتفاقات اوسلو التي وقعها حزب العمل واعترض عليها الليكود, انما اتخذت الحكومة الاسرائيلية الموقف ذاته من الاتفاق الذي وقعه نتانياهو نفسه بعد مفاوضات مضنية في الولايات المتحدة تفرغ لها الرئيس الامريكي, لتنتج اتفاق (واي بلانتيشن) الذي ضرب به نتانياهو عرض الحائط بعد ايام فقط من توقيعه, رغم الضمانات الامريكية بتنفيذ هذا الاتفاق. بالتأكيد, لا يعني الحرج الذي تسببه الحكومة الاسرائيلية للادارة الامريكية, تراجع هذه الادارة عن الوقوف إلى جانب اسرائيل, والدعم الثابت لها كموقع استراتيجي ثمين يخدم المصالح الامريكية في المنطقة, رغم ذلك, فهي ليست بحاجة إلى الاحراجات التي تسببها لها حكومة نتانياهو في عملية المفاوضات, بحيث تبدو اسيرة السياسات الاسرائيلية اليمينية التي تحاصر الادارة الامريكية القطب الوحيد في العالم اليوم من خلال وزنها المؤثر في الكونجرس الامريكي, بذلك يبدو نتانياهو وكأنه قادر على مواجهة كل العالم بما فيه الادارة الامريكية التي تبدو غير قادرة على التقدم إلى الامام واثبات دورها كراع لعملية السلام يحافظ على ضماناته للاطراف, وقد صاغ نتانياهو سياسة الحكومة الاسرائيلية على قاعدة (سلام الردع) والتي تقول بأن العرب لا يفهمون الا لغة القوة, وهي وحدها الكفيلة بحماية امن اسرائيل من المخاطر التي تتعرض لها, بمعنى انه يستعيد مقولات الحرب الباردة ليوظفها في اطار الصراع العربي, وهذا ما يلخص سياسته التي يختصرها شعاره (الامن مقابل السلام) هذه الصيغة تشكل مانعا طبيعيا امام التقدم في عملية السلام, وهي تقوم على توتير الاجواء في المنطقة والدفع بها إلى حافة الحرب, التي لن تحصل حسب منطق اليمين الاسرائيلي بسبب الضعف العربي, وهذا الضعف الذي يجب توظيفه بصورة نهائية من خلال مفاوضات تقر بكل المطالب الاسرائيلية, مهما كانت مجحفة بحق الطرف الاخر, طالما انه لا يستطيع اتخاذ اي موقف جدي يستطيع التأثير على اسرائيل ومصالحها. رغم الموقف الثابت في الحفاظ على اسرائيل متفوقة في المنطقة, وضمان امنها من قبل الولايات المتحدة الامريكية, الا ان هذا الموقف الاسرائيلي يحرج السياسة الامريكية في المنطقة, التي تسعى إلى اعادة ترتيبها لمصلحتها, من خلال ضبط حدة الصراعات في المنطقة وجعلها بحيرة امريكية هادئة, بالطبع, لا يعني ذلك ان الادارة الامريكية تسعى إلى ايجاد حل عادل للصراع العربي ــ الاسرائيلي, بل هي تسعى إلى نزع فتيل هذا الصراع بالوصول إلى تسوية تتمتع بشيء من الديمومة, وتكون قادرة على امتصاص الصدمات السياسية في حال وقوع ازمة كبرى تتطلب تدخلا عسكريا امريكيا في المنطقة, فهي وبحكم المعطيات المواتية, ليست بحاجة إلى كل الجهود التي بذلتها في حرب الخليج للحفاظ على صيغة تمنع توظيف اسرائيل من قبل طرف اخر في التأثير على سياساتها, ان هذه السياسة تتعارض مع سلوك حكومة نتانياهو التي تعمل على التصعيد في المنطقة. ولان هناك من قدر هذه السياسة الامريكية وتوافق معها خلال وجوده في السلطة, فان ذلك اكثر راحة للادارة الامريكية, فمجمل السياسة التي اختطها حزب العمل خلال حكمه لاسرائيل 1992 ــ ,1996 كانت متوافقة مع الرؤية الامريكية للمنطقة, خاصة بعد قدوم حزب العمل إلى السلطة في اسرائيل بعد ان فرضت حكومة شامير اليمينية شروطها على المبادرة التي اطلقتها ادارة بوش, والتي تم صياغتها على مجموعة من اللاءات, التي تجعل من العملية تستمر إلى ما لا نهاية دون نتائج, وخرق هذه اللاءات خاصة, لا للتفاوض مع منظمة التحرير, جعلت من رابين بطلا للسلام بنظر الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية وحتى بعض الدول العربية, فهذا الخيار السياسي الاخر في اسرائيل هو خيار موجود يمثله حزب العمل بزعامة باراك, وهو الخيار المفضل من الادارة الامريكية في الانتخابات المقبلة, فهو يعطيها الامل على الاقل في التنفيذ السريع للمرحلة الانتقالية, ولتنفيذ الاتفاقات التي وقعتها حكومة نتانياهو, مما يخفف من حدة الاحتقان الذي يسود عملية المفاوضات التي تم تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية. ولان الولايات المتحدة لا ترغب في ان تظهر وكأنها طرف في الانتخابات الاسرائيلية, كما اتهمها نتانياهو في انتخابات العام ,1996 والتي وقفت خلالها وراء مرشح حزب العمل شمعون بيريز الذي سقط في الانتخابات, ولاحتمال عودة نتانياهو مرة اخرى إلى السلطة في اسرائيل, فانها في هذه الانتخابات تمارس تفضيلها بحذر, وهذا ما فرض على وزير الدفاع الامريكي خلال زيارته الاخيرة إلى اسرائيل ان يلتقي نتانياهو رغم ان هذا اللقاء لم يكن مقررا, لعدم اتهام الادارة الامريكية بالتحيز إلى طرف في الانتخابات الاسرائيلية. تفضل الولايات المتحدة حزب العمل في سدة الحكم في اسرائيل, لكن عودة الليكود مرة اخرى إلى السلطة لا يجعل الادارة الامريكية تتخذ اي اجراء أو موقف لاجبار نتانياهو على التقدم في عملية السلام التي ترعاها, فحماية اسرائيل والدفاع عنها والاذعان للسياسات الاسرائيلية, هو جوهر الموقف الامريكي تجاه اسرائيل بصرف النظر عمن يشغل السلطة فيها.

Email