وزير الداخلية.. برافو ! بقلم- محمود السعدني

ت + ت - الحجم الطبيعي

اللواء حبيب العادلي رجل أمن منضبط, يجيد العمل في صمت وفي هدوء, لايحب الفشخرة ولازفة الاعلام, ولا حفلات التنطيط والتبلبيط, كما أنه محظوظ وسكته سالكة ودعاء الوالدين يرعاه, ولذلك لم تقع حادثة واحدة في مصر منذ جلوسه على مقعد وزير الداخلية . وهناك اسباب موضوعية لهذا الهدوء الذي نشهده هذه الايام, على رأسها السياسة التي اتبعها الوزير العادلي يفتح ابواب السجون ومنح الحرية للمئات والألوف الذين تابوا أو ابدوا ندمهم على مافات. وهي سياسة صح الف في المائة. والخطوة الثانية التي تحسب للوزير العادلي هي ضبط النفس والتفكير الف مرة قبل اعتقال المشتبه فيهم بالحق وبالباطل, والخطوة الثالثة هي احترام الناس في اقسام البوليس, واحترام آدمية المواطنين الذين يجرى التحقيق معهم في عمليات لها صلة بالارهاب. اما ضربة الحظ الكبيرة التي هبطت عليه من السماء, فهي سقوط عدد من قادة الارهاب في قبضة الشرعية. وكان للمعلومات التي توصلت اليها اجهزة الامن من خلال اعترافات هؤلاء القادة الفضل في كشف الكثير من الاسرار والاوكار. وهناك سبب آخر هو الخط الجديد لفكر الجماعات اياها, فقد اتفقت قيادة الجماعات على تحريم ضرب السياح وقتل الافراد, ويبدو ان هناك اتجاها جديدا لنشاط هذه الجماعات, وهو موقف يجب تشجيعه بشدة, لكي تتجه هذه الجماعات الى نبذ العنف بجميع صوره وممارسة العمل السياسي وكما ينبغي ان يكون شيء آخر يذكر للوزير العادلي أنه اعاد النظر في عملية توزيع المكافآت على ضباط الشرطة, فشملت المكافآت عددا أكبر من الضباط الشباب, وهي عملية تركت أثرا طيبا بين رجال الامن عموما, كما نجح الوزير في اعادة الهدوء الى اجهزة الوزارة المختلفة, فاختفى الصراع بين رجال الامن الجنائي والامن السياسي, واصبحت الممارسة الامنية تصب في قناة واحدة بمساعدة الجميع ولمصلحة امن مصر. هذه هي الاسباب التي ادت الى تغيير الاوضاع الامنية الى ماوصلت اليه الان, وهو جهد مشكور للوزير العادلي نسأل الله ان يستمر حتى نحقق المناخ المناسب لمزيد من التنمية ومزيد من الاستثمار, من اجل رفع المستوى العام للمصريين, وخلق فرص عمل جديدة للشباب لكي نصل الى المجتمع الذي نحلم به والذي يستحقه شعب مصر بكل تأكيد. ولكي نحقق هذا الحلم فهناك مجالات اخرى تستحق اهتمام وزير الداخلية, وعلى رأسها استقرار المعاملة الحسنة في اقسام الشرطة, ووضع القواعد والاسس التي ينبغي ان تحكم العلاقة بين رجال الشرطة وأفراد الشعب. لان الاساس في اي نهضة هو احترام الناس وحفظ كرامتهم, فلا يلزق مصري على قفاه ولا يحبس مصري بدون تهمة وبدون أمر من القاضي ولا يمكن التفكير في اية نهضة أو اية صحوة قبل تحقيق هذا الشرط. ايضا.. تحتاج مصلحة السجون الى نفضة بعد أن ساءت احوال السجون الى درجة لايمكن تجاهلها. ومن العجيب ان السجون المصرية شهدت خلال الاربعين عاما الماضية نوعا جديدا من النزلاء, كلهم كانوا يوما ما من رموز السلطة. رجال من اصحاب النفوذ من مستوى نائب رئىس الجمهورية ونواب رئىس الوزراء ورئيس جهاز المخابرات وجهاز المباحث العامة ووزراء حربية وداخلية واعلام ومسؤولين كبار في التنظيمات السياسية. وذات يوم كان العبدلله في السجن مع اثنين من وزراء الحربية واثنين من وزراء الداخلية ونائب رئىس جمهورية ونائب رئىس وزراء ووزير اعلام وعضو مجلس رئاسة وغيرهم.. ومع ذلك لم يحدث اي تغيير في نظام السجون المصرية, ولاتزال اللوائح التي تنظم العمل بالسجون هي نفسها التي وضعتها الادارة الانجليزية عندما انشأت سلطات الاحتلال هذه السجون التي هي نسخة من السجون البريطانية بالرغم من اختلاف الظروف والمناخ.. واكبر مشكلة تعاني منها السجون الان هي عملية التكدس, وهناك سجن مثل سجن القناطر الخيرية يتسع لحوالي 800 سجين, ولكن نزلاءه الان يصلون الى اكثر من الفي مسجون, ونفس الشيء ينطبق على كل السجون تقريبا وامامي الان وانا اكتب هذه السطور عدة خطابات من نزلاء في سجون مصر أمضوا اكثر من عشرين عاما, وعندما حان وقت الافراج عنهم, رفضت جهات الامن الافراج عنهم بدعوى انهم خطر على الامن العام. وأسأل السادة اباطرة الامن العام: ماذا يتبقى من رجل أمضى عشرين عاما في زنازين اشبه بالمقابر؟ وكيف يكون الانسان خطرا على الامن العام مع ان الامن العام نفسه سمح لهذا الرجل الخطر بالخروج من السجن لزيارة اهله بدون حراسة؟ ومن هو هذا الشخص الذي منحوه سلطة الافراج عن سجين بعد عشرين عاما أو استمرار حبسه؟ هل هو من رجال القضاء؟ وكيف يكون من حق ضابط شرطة ان يحكم باستمرار حبس بني آدم امضى في السجن عشرين عاما كاملة, وهو حكم اقسى الف مرة من الاعدام. ما احوجنا الان الى تفريغ السجون المصرية من بعض نزلائها. احداث تحت السن, وشيوخ اصيبوا بجنون الشيخوخة ونزلاء ارتكبوا جرائم بسيطة, وكان يكفي معاقبتهم بأحكام بسيطة يؤدونها خارج الاسوار, مثل كنس الشوارع أو الخدمة في اقسام الشرطة وغيرها من الاعمال. ولو كان الامر بيدي لقمت بتشكيل لجنة من بعض الرجال المشهود لهم بالكفاءة وحسن التدبير لفحص احوال نزلاء السجون, والعبدلله واثق من الوصول الى نتائج باهرة بتحقيق العدالة والافراج عن النزلاء الذين لاتوجد اسباب لسجنهم ولاجدوى من ذلك. كان معنا في سجن القناطر مسجون يطلقون عليه اسم الزعيم, وكان يقضي النهار كله في الحوش يسب المأمور والادارة والحكومة والناس وكل شي. كان قد اصيب بالجنون, وكانت حالته واضحة لكل ذي عينين.. ولا ادري ماذا جرى للنزيل المجنون, لأنني تركته في السجن ولم اعرف ماذا جرى له بعد ذلك اخونا اللواء العادلي وزير الداخلية.. خطابات النزلاء الذين امضوا عشرين عاما خلف القضبان عندي اذا اردت الاطلاع عليها. مع العلم بانه غير مسموح بوضع بني آدم في السجن كل هذه المدة, اللهم الا في سجون نتانياهو.. وبشرط ان يكون المسجون عربيا. ونحن ننتظر منك الكثير صدقني, خصوصا بعد ان نجحت ووضعت الداخلية على الطريق الصحيح, او بمعنى اصح وضعت الداخلية على الطريق الى الوضع الصحيح! واقول لك ياسيادة الوزير السجن ليس تأديبا وتهذيبا واصلاحا اذا طالت المدة, ولكنه يتحول الى هدم وتدمير وتخريب ليس للمسجون فقط ولكن لاسرته. والعالم كله يتغير الان, والنظريات التي كانت صالحة للقرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر, لاتصلح بالتأكيد في القرن المقبل. واغرب شيء ياسيادة الوزير ان المواطن المسجون يحتاج الى ضعف المبلغ الذي كان يكفيه خارج الاسوار. وهناك وضع سيء اريد ان اهمس لك به, هو وجود جهاز مباحث داخل السجون نفسها, والعبدلله كان شاهد عيان في بداية حقبة السبعينات, وكانت نتيجة وجود هذا الجهاز في السجن هي مضاعفة الرشوة التي يدفعها النزلاء للحصول على طعام اطيب اونزهة اطول. السجون ياسيادة الوزير تحتاج الى نظرة اصلاح وتجديد من الرجل المسؤول عن الوزارة. ووجودك على رأسها الان هو فرصة طيبة لكي نطالبك باصلاح السجون مرة واحدة والى الابد. والعبدلله يعتقد انك صالح جدا لاداء هذه المهمة, ليس بالنسبة للسجون فقط, ولكن بالنسبة لكل المصالح والادارات التابعة للوزارة. وليست هذه شهادة العبدلله في حقك, ولكنها شهادة عمنا حسن ابوباشا واللواء عبدالحليم موسى واللواء فؤاد علام واللواء محمد تعلب واللواء رضا عبد العزيز واللواء عبدالوهاب الهلالي. الله معك.. ونحن ايضا؟

Email