مع الناس:بقلم-عبدالحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

حاضر جمال الغيطاني في واحة السجاد بعشق ومحبة وعلم, عن السجاد وأنواعه وطرائق صنعه وجغرافيته وتاريخه , وما يمثله من فنون ورموز وإشارات وتاريخ, فكانت محاضرته بعداً مطلوباً, ظل غائباً باستمرار, عن مرتادي الواحة, وربما, محبي السجاد ومستهلكيه ومقتنيه أيضاً, فتحولت قطعة السجادة عبر تدفقه الحميم في الحديث عن هذه الصناعة, إلى قطعة من الحياة متدفقة بالآلام والجمال والأحلام والرؤى والألوان والأصوات والظلال والاضواء, وكل عنصر آخر من عناصر الحياة. والغيطاني نساج معروف وشهير ولكن في عالم الرواية, حيث ينسج بأنامله الحياة ليضمنها بين دفتي كتاب, ويطرز الورق الأبيض بمنمنمات من الكلام والعبارات, فيرتبها معاً وجنباً إلى جنب, لتشكل بعد ذلك سجادة من كلام وعبارات ورؤى وشخصيات, نستمتع بقراءتها, مثلما نستمتع بمشاهدة سجادة من تبريز أو بخارى, فنعرف أن الفن واحد, كالحياة, من السجاد إلى الرواية. غير أن الغيطاني باختياره ليحاضر عن السجاد, لا عن الرواية, وبمحاضرته الشيقة نفسها, كان مفاجأة أدبية حقيقية, لا لقرائه وحدهم, بل أكثر, لزملائه الأدباء والكتاب, الذين يتعرفون فيه لأول مرة على دارس متخصص في السجاد, وعلى صنائعي من صناعه وفنان من فنانيه, فنكتشف مجدداً أديباً آخر من الأدباء المبرزين في العربية والمبدعين وذوي المكانة الثقافية, يحلق في سماء الأدب منطلقا من اختصاص آخر, هو صناعة السجاد هذه المرة, كما حلق آخرون من اختصاصات غير أدبية كالطب مثلاً أو الهندسة أو المحاماة.. وهكذا. ولاحظت أن الغيطاني يعتز كثيراً بوصف الصنائعي, فهذا فنان حقيقي لا يقل شأناً ومكانة عن أي فنان تشكيلي, لولا أن مجتمعاتنا العربية, مع تردي الاهتمام بالحرف والفنون معاً, وضعوا الصنائعية في مرتبة أقل, وفي مكانة تالية للفنانين, بينما الصنائعي من هؤلاء بما يمتلك من ذوق وإحساس مرهف ورؤية جمالية وأنامل أنيقة ورقيقة فنياً وخفة يد مع دقة, هو من المهارة ما يجعله فناناً حقيقياً, لان نتاج عمله الأخير, بعد صبر ودأب وعمل شاق وطويل, هو تحفة فنية, عبارة عن سجادة ذات قيمة مادية وفنية عالية. ومن صديقنا الغيطاني إلى واحة السجاد نفسها, فهذه مهرجان قائم بذاته من البهجة والألوان والجمال والحرفنة, ويزيد الإستمتاع بها لمن يمتلك علماً بالسجاد وثقافة وخبرة فيه, كصديقنا الغيطاني, حيث يكون البحث عن الأجمل والأجود والأنقى والاصفى, مغامرة بديعة, تنتهي بلذة الإكتشاف, حين يعثر المغامر بعدها على لؤلؤته الثمينة, من أعماق هذا البحث. غير أن الأجمل والأجود أغلى ثمناً, فهذا في الواحة وعند تجار السجاد الأصلي والأصيل من 50 ألف درهم إلى خمسة ملايين وما بينهما وما فوقهما, ما يجعل متذوقاً مثلي أو مثل الغيطاني نموت من الغصة ويقتلنا الكمد, لأن العين بصيرة واليد قصيرة, حتى أن الغيطاني نفسه عرضت عليه سجادة نفيسة في السبعينات بخمسة وعشرين جنيها فقط, في فرصة ذهبية نادرة كما يروي, إلا أنه خسرها لضيق ذات اليد. أما العبد لله, فلكي يتجنب ما يمكن أن يسبب له الضيق ووجع القلب, فإنه يرفض زيارة واحة السجاد من الأصل, عبر جميع دوراتها ضمن مهرجان التسوق وحتى اليوم, لأن من الواضح, حسب وصف الصحفيين والأصدقاء, وكلهم ليسوا من المتسوقين, أن فيها من الفتنة والجمال ما يخلب اللب ويصرع الفؤاد, فيكون الابتعاد خير وسيلة للنجاة والسلامة, فالفتنة أشد من القتل!.

Email