أبجديات: بقلم- عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

حسب المواعيد الرسمية المدرجة على الأجندة الرسمية العليا لكل من ايران وفرنسا, فإن الرئيس الايراني محمد خاتمي يفترض ان يكون ضيفا على فرنسا في قصر الاليزيه يوم 12 ابريل الحالي, والزيارة تاريخية, إذ سيكون خاتمي الرئيس الايراني الأول الذي يزور فرنسا منذ قيام الثورة الاسلامية ومعروف ان مواعيد رسمية كهذه تعد من السياسات العليا ذات الخطورة والأهمية للدول, الا ان أمرا ما يدور في الكواليس يؤكد ان الزيارة قد تم تأجيلها, والسبب يتعلق بالمسائل البروتوكولية. وبالرغم من ان مصالح كبيرة تجري في قنوات العلاقة بين طهران وباريس, وبالرغم ايضا من ان الاسلام هو الديانة الثانية في فرنسا بسبب الأعداد الضخمة للمسلمين هناك, الا ان ذلك لم يكن له تأثيره على ما يبدو في اقناع القائمين على أمر الآداب والبروتوكولات المتبعة في قصر الاليزيه بضرورة رعاية الآداب والموازين الاسلامية, التي تحرم جلوس المسلم على مائدة يقدم عليها النبيذ. ولأول مرة تتخلى فرنسا عن لباقتها وتتخلى عن ذوقها وأناقتها الدبلوماسية المعهودة والمعروفة باحترام الشعائر الدينية, مصرة على ان النبيذ لابد ان يدخل التاريخ كما دخله يوما الشاي والقهوة كأحد أسباب الثورات والأزمات السياسية الحادة والحروب الاهلية في أوروبا وأمريكا. الرئاسة الايرانية علقت أمر الزيارة حتى تراجع فرنسا موقفها جيدا, فالقضية أكبر من كؤوس نبيذ يصر (الاليزيه) على ضرورة وجوده على مائدة حفل العشاء المقرر ان يقيمه جاك شيراك على شرف خاتمي ليلة الزيارة, القضية ان خاتمي هو الرمز السياسي والديني لدولة (ثيوقراطية) وهو نفسه رجل دين في المقام الاول كما هو رجل دولة, والأهم انه يأتي فرنسا بعد سنوات طويلة من حكم ديني يتكرس في ايران بكل قيمه ومنظوماته التي تعرفها باريس جيداً, كما تعرف يقينا ان خاتمي هو الرئيس الحالي لمنظمة المؤتمر الاسلامي. اذن فالاعتبارات جديرة بأن تؤخذ بشكل اكثر احتراماً وجدية, وبان تتعاطى معها باريس بميزان اكثر حساسية, ان لم يضع الذوق واحترام الضيف في الاعتبار, فلا بد ان يضع علاقات المصلحة والنفعية كأساس واضح لقرار اكثر حكمة, خاصة وان ايران دولة (قرار) قوي في ميزان القوة والمنفعة في الشرق الاوسط. وهنا خطر لي لو ان الضيف هو نتانياهو, ولو ان العقيدة اليهودية تحظر وجود صنف معين من طعام او شراب على مائدة العشاء الرسمية, بحيث ان وجوده يمنع جلوس الضيف اليهودي على المائدة نهائياً, هل كانت فرنسا تستغرق وقتاً في التفكير أو تأجيل الزيارة, او الاصرار على اتمام المراسيم كما اعدها مسؤولو القصر الرئاسي الفرنسي دون تغيير؟ اظن ان اتخاذ ايران موقفاً بتأجيل الزيارة حتى تراجع باريس آدابها مع الضيف الايراني خطوة تستحق التقدير, كما اظن ان (سياسة النبيذ) يمكن اغلاق الدرج عليها مع خاتمي, طالما ان ادراجاً اخرى يمكن فتحها ستدر على فرنسا ارباحاً وفوائد لا حصر لها.

Email