حرب كوسوفو: اسباب وابعاد:بقلم- د. شفيق ناظم الغبرا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشكل الغارات الجوية فوق يوغسلافيا اول حرب تشنها قوات الناتو منذ خمسين عاما.بل يمكن اعتبار هذه الغارات تكراراً لمشهد شاهدناه في العراق عام 1990 ــ ,1991 حيث تقوم قوات تحالف دولي بقصف دولة تهدد مصالح مجموعة اكبر من الدول والمجتمعات . وبينما في حالة العراق كان التهديد مرتبطاً باحتلال الكويت وبأسلحة الدمار الشامل نجده في يوغسلافيا مرتبط بمخاطر تفجير الاحقاد العرقية بين مجموعة من الدول منها البانيا واليونان وتركيا وروسيا ودول اخرى في شرق اوروبا اضافة الى مقدونيا. ان خطة الناتو واضحة في اهدافها وملامحها: الاستمرار في توجيه الضربات الجوية الى القوات الصربية (يوغسلافيا) الى ان تتراجع قيادة الرئيس ميلوسيفيتش عن اهدافها في تهجير وارهاب سكان كوسوفو المسلمين البالغ عددهم ثلاثة ملايين, فتسحب قواتها من كوسوفو وتقبل بالعودة الى طاولة المفاوضات والتي تتضمن القبول بالحكم الذاتي لسكان كوسوفو اضافة الى قوة حفظ سلام دولية, في المرحلة الاولى كانت الضربات الجوية تستهدف مراكز القيادة وبعض الثكنات ثم بدأت تتوسع في المرحلة الثانية نحو اهداف عسكرية جديدة, ان عدم اذعان الصرب للقرارات الدولية سوف يعرضهم لمزيد من الضغوط العسكرية بما فيها احتمال تحول العملية الى عملية ارضية واسعة النطاق, بل من الصعب ان تسمح الدول المتحالفة تحت غطاء الناتو للصرب بتحقيق انتصار ناتج عن تحمل الضربات الجوية. لكن الاخطر ان قوات الصرب قد قامت من جانبها بتوسيع المجازر اذ تشن قوات الصرب الآن ومنذ بدء الغارات الجوية هجمات انتقامية ضد المسلمين في كوسوفو, فقد وقعت حالات حرق وتصفيات جماعية لتنفيذ نفس المخطط الذي كان ينفذ على مراحل من اجل طرد المسلمين وعددهم ثلاثة ملايين من كوسوفو هذا يعني حتى الآن فشل الغارات في فرض التراجع على الصرب بل استغلال الصرب للموقف للقيام بأعمال التهجير الجماعية التي بلغت اكثر من سبعين ألفا منذ ان بدأ القصف الجوي منذ اسبوع, وهذا يجعل مجموع اللاجئين من كوسوفو حتى الآن وعلى مدار شهور الازمة نصف مليون, هذا يعني ان الموقف يزداد صعوبة بالنسبة لسكان كوسوفو وان الحل الحقيقي للازمة قد يتطلب قوات ارضية لحماية السكان. ان القصف الجوي انعكاس لصراعات ما بعد الحرب الباردة, فالدول التي تتشدد في مواقفها وتتجاوز القانون المتعارف عليه وتهدد بتفجير صراعات موسعة لا تتحملها الدول المجاورة وتؤثر على استقرار اقاليم استراتيجية ستواجه بتحالفات دولية تطيح بسياساتها وفي هذا تشكل هذه الغارات رسائل موجهة الى كل من صدام حسين في العراق والى كوريا الشمالية والدول التي تفكر بغزو دول اخرى او باضطهاد اقليات مؤثرة. ويؤكد القصف الجوي فوق يوغسلافيا بأن الاخطار قد تبرز فجأة وان الحرب امر ممكن عند بروز هذه الاخطار بل تؤكد الاحداث على دور الناتو في تأمين الامن الاوروبي في ظروف تشعر اغلبية الدول المكونة للناتو ان امنها في خطر كما ان الناتو يمتلك تكنولوجيا وقدرات تعكس قوة الولايات المتحدة مع اوروبا في الحفاظ على الامن الاوروبي. وتبينت خلال الازمة حدود الموقف الروسي المؤيد للصرب, فهو موقف قادر على اعلان ادانه, وربما تأمين مساعدات عسكرية وما شابه ولكنه غير قادر على تغيير الميزان ومد اليوغسلاف بالمساعدات الحقيقية بل نجد ان الموقف الروسي غير قادر على الدفاع عن موقف الصرب اليوغسلاف وهو على خلاف مع التشدد الصربي. الموقف الروسي حريص على علاقاته بيوغسلافيا ولكنه اكثر حرصاً على علاقاته الامريكية وذلك بحكم طبيعة المصالح متوسطة الامد وبعيدة الامد بين روسيا ودول الناتو والولايات المتحدة, فهذا الامر بالتحديد والمرتبط بوضع روسيا الاقتصادي وديونها وحاجتها لصندوق النقد الدولي يعود ويضع سقفاً وحدوداً للموقف الروسي, لهذا فالافضل بالنسبة لروسيا لعب دور التوسط ومحاولة اقناع الرئيس اليوغسلافي بضرورة التراجع بنفس الطريقة التي تلعب روسيا دورها في المسألة العراقية. بل يشكل ارسال وفد على مستوى رئيس الوزراء الروسي ووزير الخارجية الروسي دليلاً على اهمية الامر بالنسبة لروسيا ولننتبه بأن الكثير من الروس يقطنون مقاطعات ودول كانت في السابق تابعة للاتحاد السوفييتي وان التطهير العرقي امر قد يهدد الروس ايضاً. ان المسألة في كوسوفو تعكس مدى تعقد السياسة الدولية, فالذين يتحدثون عن مؤامرة مسيحية ضد المسلمين يشاهدون هنا دولاً (مسيحية) تضرب دولة (مسيحية) دفاعا عن حقوق المسلمين في كوسوفو, ومن يتحدث عن ازدواجية المعايير بين قارة واخرى يجد هنا ان المعيار الرئيسي هو مدى تهديد الامن العالمي والاقليمي, بل نجد ان مصدر التهديد ليس الاساس في تقرير الخيار العسكري, بل حجم التهديد وطبيعته وفشل الوسائل السياسية في احتوائه وايقافه. استاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت

Email