الجزائريون بعد رحيل بومدين : حنين الى عهده وعودة لجماعته: بقلم- خالد عمر بن ققه *

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا اعتقد ان هناك احدا من الذين سبق ذكرهم سيتمكن من حل الازمة الجزائرية الحالية بشكل منفرد, وان كان اجتماع ثلاثتهم ربما يؤدي الى نتيجة طبقا لميزان القوى التي تخلو عنها اختيارا او اجبارا واذا نجح أحدهم سيجد نفسه يواجه واقعا اسمه (عقدة بومدين) التي يصعب حلها , ذلك لان الشعب يحلم بالعودة الى تلك الفترة, بحثا عن زعيم قوي يسد الفراغ الحالي, والشعب الجزائري في هذه الحال, كثيرا ما ضرب هذا المثال بخصوص الوضع في الجزائر ـ اشبه بامرأة شريفة تزوجت رجلا كريما فحلا, وقضى عليه الموت فكل رجل يطلبها للنكاح تقارن بينه وبين زوجها الاول والكفة دائما ترجح للزوج الاول الهالك ولذلك تظل تبحث عن زوج بمواصفات محددة او تبقى ارملة ما بقيت على قيد الحياة. الجزائر الآن هي على نفس نمط المثال السابق, تبحث عن زعيم فيه مواصفات بومدين ما يعني قياس كل الشخصيات السياسية الحالية على مواصفاته, ولا شك ان الجزائريين تعبوا كثيرا في رحلة البحث هذه, وكلفتهم انفسهم وابناءهم واموالهم, وتصادف ان تلك المرحلة ذاتها جاءت في فترة غياب العدل وعدم القدرة على التحكم, لذا فإن السياسيين يستغلون الان اسمه, وسيجدون انفسهم بعد وصولهم الى السلطة مطالبين بأن يكونوا صورة طبق الاصل عنه, لكنهم لن يستطيعوا, أولا: لأن اغلبهم ليس في مستوى نزاهة بومدين, وثانيا: ان لكل منهم صفاته الخاصة, وثالثا: ان الظروف الداخلية والخارجية لا تسمح بالتقمص او التقليد او السير على نفس الطريق مما يعني في نهاية المطاف مواصلة تصدير الهزيمة, واذا كان الشعب الجزائري يقبل على مضض ـ واستهجان احيانا ـ محاولات التقليد اذا حاول بعضهم ذلك, فإنه في العمق يدرك حقيقة اولئك السياسيين الذي لم يدافعوا عن المنجزات التي تركها مع انهم كانوا الاقرب اليه. من ناحية اخرى فإن أي سياسي جزائري, اذا اصبح رئيسا سيجد نفسه يواجه ما يمكن ان نطلق عليه بالبومدينية الجديدة, وهي التي تتجلى على المستوى الثقافي والاجتماعي, وتزيد مساحتها وتتسع كل يوم, وان كانت على المستوى السياسي في تضاؤل, فالجيل الجديد الذي يحمل افكار بومدين ويحاول اعادة صياغتها مراعيا المعطيات والظروف الجديدة مثل الجبهة البومدينية التي يقودها المحامي (محمد سعدي) , هذا الجيل يقيس احساس الجماهير ونبضها ويعرف لهفتها الى صوره وشعاراته, والكتب والمجلات التي تكتب عنه, وهي تمثل تأشيرة مرور لأي شخص او فكرة او مشروع لتصل لقلب الجماهير, غير انها ـ اي الجبهة البومدينية ممثلة للجيل الجديد ـ لم تحقق اية نجاحات سياسية على مستوى ممارسة السلطة, وان كانت قد حققت اكبر نجاح حين جعلت لبومدين حضورا دائما فكرا ونظاما وعلاقات. واضح ان الشعب الجزائري مع بومدين فكرا وثقافة وضد توظيفه سياسيا, وعن السياسيين الجزائريين الذين يستندون على عكاز بومدين ان يدركوا هذه الحقيقة, ويحاولوا تجاوز عقدة بومدين او حلها, وذلك بتحويل افكاره الى مشاريع, والتخلي عن استغلال اسمه سياسيا, ويبدو ان السيدة الفاضلة والكاتبة (أنيسة) زوجة بومدين قد ادركت هذه الحقيقة منذ وفاته فلم تنخرط في اي عمل سياسي ولكنها واصلت طريقه مثبتة اياه من خلال الكتابات الصحفية في مجال الاقتصاد, ومن خلال ابداعها الشعري, ومن خلال الحفاظ على تراثه الخطابي ومواقفه الوطنية والدولية, وهو العمل نفسه الذي تقوم به الجبهة البومدينية الآن, اما اولئك السياسيين الذين يظهرون الان على حساب بومدين مدحا او ذما, فإنهم لم يتخلصوا من عقدته وسيجعلون اخطاءهم تصل كل بيت جزائري اذا وصلوا الى السلطة, وسيظل الشعب يقارن ويبحث, وتطول الفترة الصعبة التي تعيشها الجزائر فترة تمثل البحث بلهف وحنين عن زعيم جديد يقارب بومدين او يشبه او حتى يتجاوزه ويرفضه ان استطاع لذلك سبيلا. كاتب وصحفي جزائري مقيم في القاهرة

Email