ابجديات، بقلم: عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

خبر جدير بالتأمل نشرته احدى الصحف حول دراسة حديثة اعدتها معاهد جامعة (جورج تاون) الامريكية, تؤكد على ان بعض البشر بامكانهم السيطرة على سلبيات واقعهم بواسطة الحلم او التخيل, وخاصة اولئك الذين يتمتعون بخيال جامح . وفي الحقيقة فإن التداوي بالحلم سلوك انساني قديم جدا, يلجأ اليه الانسان في كل مكان نتيجة عوامل كثيرة اهمها احباطات الواقع التي تدفعه الى تأجيل اهدافه وطموحاته, فيضطر كي لايتخلى عنها الى ان يحولها الى صيغة اخرى تأخذ شكل الحلم, وفي واقعنا العربي صار التداوي بالحلم وصفة عربية شهيرة وشائعة, فإذا كان لديهم في امريكا (بعض) البشر يعالج واقعه بالحلم, فلدينا (كل) البشر يفعلون ذلك. والتداوي بالحلم ليس علاجا سيئا على الاطلاق, حتى وان كرر بعض الشعراء والفلاسفة بان, الواقع اجمل من الحلم دائما, ذلك ان الدراسة الامريكية اثبتت ان البعض يستطيعون تعزيز جهاز المناعة ضد الامراض عندما يتخيلون ان الخلايا المقاومة للمرض تنشط لتسيطر على الميكروب! وفي مرجعيتنا الادبية الخاصة بالحلم والامل فاننا كثيرا ما نردد: ما اضيق العيش لولا فسحة الامل, والامل في حد ذاته اول ابجدية الحلم الذي نحتاج كثيرا في هذا الواقع المليء بكل ما يدفعك للكذب, والهروب والتخلي عن كل الاهداف والتطلعات, حيث نشعر انه مهما كانت ارادتنا قوية ونفوسنا مليئة بالخير والجمال فإنها لن تقوى على التصدي لشراسة هذا الواقع! فهل هذا يعنة اننا لسنا بحاجة حتى للحلم, لان عوائق الواقع اكبر من حكمة كل الاحلام؟! ربما كان في ذلك شيء من الواقعية, ولكن السؤال يعود مجددا: متى كانت الواقعية هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها معالجة كل الاخطاء, وتحقيق كل الامال؟ نحن لانقول ان الخيال والحلم يمكنهما ان يحلا ازماتنا ومشاكلنا واختناقات العالم من حولنا, لكن هذا كله بحاجة الى من يعمل على حله بأمل, اي بحلم. فالآلات الحاسبة ليست مقياس النجاح الوحيد, وليست المرجعية الاولى والاخيرة لاختبار مصداقية الحلم, فحتى في اشد حالات المرض, وفي اسوأ انواع العمليات الجراحية, لايحب اعظم اطباء العالم هذا السؤال المجرد والفج: ماهي نسبة النجاح؟ فالارقام تبدو احيانا شكلا آخر لليأس, فلماذا نجري مباشرة للآلة الحاسبة وللغة الارقام في كل مرة تواجهنا الحياة بمحنة؟ الا يكون من الافضل ان نبعد انفسنا عن التوتر والقلق بقليل من الامل وكثير من الحلم.. اليس ذلك افضل؟ الاعتقاد بالاحلام كما يعتقد الصينيون يعني النوم طوال الحياة! وليس هذا ما ندعو اليه ابدا, لان الحالمين ضعيفي الارادة لايقيمون بيوتا صالحة حسب المثل الانجليزي, بينما يعتقد الروس بان الاحلام اكثر ملاطفة وحميمية من الاب والام والاصدقاء. وواضح ان تراث الشعوب ونظرتها للحلم يختلفان حسب المزاج الحضاري, وغالبا ما تجد الاحلام بيئتها المناسبة في المزاجات الشرقية, بينما لايفضل الغربيون ذلك كثيرا لانهم تصالحوا مع الارقام والاحصاءات والآلات المجردة وحسموا قضية الحلم نهائيا.

Email