أبجديات:بقلم-عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

امتلاكك لقدر كبير من الوعي ليس قرارا شخصيا يتولد في لحظة خاطفة, انه قدرك وتكوينك الذي تأسس عبر أزمان وأمكنة وأشياء كثيرة لا يمكن تفصيلها على وجه دقيق . وحين نعرف, ويعرف الآخرون بكل الوضوح أنك من أصحاب الوعي الذي لا يجامل الخطأ والخاطئين, ولا يسمح لك بالدخول في مملكة ماسحي الاحذية والهاتفين في المواكب, هذا اليقين الذي يتأسس فيك ليس سوى قرار صعب التكوين, ولا يعني سوى أمر واحد, أن تغادر أسرة الكسل والخمول الضارب في نخاع محيطك بشراسة, ليس خمول الحركة, وانما خمول السير في الاتجاه الموافق! وستواجه بوعيك هذا, تهما كثيرة, بل ستتحول الى تهمة يومية مسافرة في كل الاتجاهات وصوب كل العيون, فأنت متهم ــ بسبب هذا الوعي ــ بحب الشراسة, والتعالي, والنبش في الرماد بمتعة, وتقليب الاحجار لاستثارة ما تحتها, والنظر للعالم المحيط بعين الشك والاتهام دائما! انت متهم من حيث لا تدري بانك لا يعجبك العجب ولا الصيام في شهر رجب!! وتعلم بانها كلها تهم باطلة, ولكنك باختيارك قد زرعت وعيك في أعماق روحك, وزرعك قدرك ــ دون ان يشاورك ــ في أرض يؤمن أهلها منذ بدء الخليقة بان كل واعٍ, ومجدف صوب الحقيقة, وزاعق في صحراء الخطايا, متهم حتى وان ثبتت براءته, في واقعك لا كرامة لنبي ولا لصاحب وعي, الكرامة لآخرين يصرخون بكل القبح لكنهم يلقون كل الحب! أنت تؤمن ومعك بقية المؤمنين, بأن التقليب في رماد الذاكرة, وفي ذاكرة الامكنة والأزمنة, والحضارات, ليس القصد منه اثارة الاشجان والعصبيات, ان القصد ببساطة هو فتح الكتب والسجلات, واجراء المحاكمات قبل ان يدهمنا الطوفان جميعا ونحن لم نشارك في بناء سفينة النجاة, ولكننا نراهن بغباء يشبه غباء ذلك العاق الذي صرخ في وجه والده, سآوي الى جبل يعصمني من الغرق! وحين تبحث عن الجبل تجده كثيبا من الرمال لا اكثر! وعيك سلوكك اليومي الذي يشرحك دون ان تتحدث, يرسم تفاصيلك على وجه اليوم, في الشارع, في العمل, في منزلك وحتى في محل البقالة او طرقات المدن التي تسافر اليها في آخر الدنيا, وعيك هو رائحتك, ووقعك وتوقيعك, وعيك هو الدم الحار الذي يحولك وفق قوانين الحضارات الى انسان رائع وبنكهة حضارتك الى مواطن معافى. ليس أصعب من ان تعيش متحضرا متجاوزا عقد الانفصام التي يرزح تحتها كل الواعظين الذين يتحدثون عن المثاليات, فإذا غادروك ضربوا الحائط بكل الانظمة والقوانين ومثاليات الايمان.

Email