التعنت الاسرائيلي في العلاقات الدولية والاقليمية: بقلم- ماجد كيالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواجه اسرائيل في هذه المرحلة من تاريخها, أزمة علاقات خارجية, على الصعيدين الاقليمي والدولي, فعملية التسوية تكاد تلفظ انفاسها لولا عمليات الانعاش الامريكية, بين الفينة والاخرى, والعلاقات التي قامت بين اسرائيل وبين بعض البلدان العربية , على خلفية عملية التسوية, هي في ادنى مستوياتها, وهذا ينطبق حتى على الاطراف التي ترتبط مع الدولة العبرية بمعاهدات واتفاقات سلام (مصر, الاردن, السلطة الفلسطينية) , اما على الصعيد الدولي فالامور لا تبعث على الارتياح اطلاقا, فها هو مساعد وزيرة الخارجية الامريكية, مارتن انديك يزور المنطقة ويستثنى اسرائيل من جولته, والمبعوث الامريكي دينس روس يصف الاستيطان الاسرائيلي, في الاراضي الفلسطينية المحتلة, بانه مدمر لعملية السلام, ووزير الدفاع الامريكي وليام كوهين, يربط بين دفع المساعدات الامريكية التي قررت لتشجيع اسرائيل على تطبيق مذكرة واي بلانتيشن, وبين تنفيذ اسرائيل لها, اما وزيرة الخارجية الامريكية, فهي تنحي باللائمة على اسرائيل وتحملها مسؤولية عرقلة تنفيذ الاتفاق مع الفلسطينيين, وكانت زيارة كلينتون إلى مدينة غزة, رسالة امريكية واضحة عن مدى نفاذ الصبر الامريكي من سياسيات بنيامين نتانياهو التي باتت تعرقل السياسة الاستراتيجية الامريكية في المنطقة. من جهة اخرى, وجه سفراء الاتحاد الاوروبي, في الاول من مارس, رسالة إلى وزارة الخارجية الاسرائيلية, جددوا فيها رفض دولهم الاعتراف بالقدس, بما في ذلك الشطر الغربي من المدينة, عاصمة لاسرائيل, وقد اثارت هذه الرسالة بلبلة سياسية كبيرة في الدولة العبرية, كادت ان تشكل ازمة سياسية بينها وبين دول الاتحاد, وجاء قرار الاتحاد الاوروبي هذا ردا على الضغوط التي مارستها وزارة الخارجية الاسرائيلية لمنع انعقاد اجتماع للسفراء الاوروبيين في بيت الشرق, الذي يعتبر مقرا غير رسمي للفلسطينيين, في القدس الشرقية, وذكرت الرسالة انه (من وجهة نظر القانون الدولي تتمتع القدس بوضع خاص وهي كيان منفصل) , في اشارة إلى القرار 181 الصادر في 29 نوفمبر ,1947 والقاضي بتقسيم فلسطين, إلى دولتين: اسرائيلية وفلسطينية, وتدويل المدينة المقدسة, وكما هو معروف فقد قامت الدولة الاسرائيلية ولكن الدولة الفلسطينية لم تقم, فضلا عن ان اسرائيل قامت باحتلال اجزاء كبيرة من القدس, ثم اعلنت, في ديسمبر ,1949 القدس الغربية عاصمة لها مخالفة بذلك قرارات الامم المتحدة, وقام السفير الالماني في تل ابيب تيودور فالاو, الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد بنقل الرسالة إلى المسؤولين الاسرائيليين وفسرت الحكومة الاسرائيلية ذلك على انه دعوة لتدويل السيطرة على القدس. وقد اعتبر الباحث ميرون بنفينستي في مقابلة نشرتها صحيفة (هارتس) الاسرائيلية التي كشفت هذه القضية ان اوروبا ردت على الضغوطات الاسرائيلية بالتهديد باعادة فتح ملف مغلق, واضاف: لقد قالت للاسرائيليين بوضوح: اذا استمريتم باستفزازنا بشأن القدس الشرقية فاننا سنتذكر باننا لم نعترف يوما بشكل رسمي بسيادتكم على القدس الغربية وبأن القانون الدولي لا يعترف لكم حتى بسيادتكم على المدينة التي تعتبرونها عاصمة لكم, وقال الاستاذ في الجامعة العبرية موشى هيرتس ان هذه هي المرة الاولى التي تستخدم فيها اوروبا عبارة (كيان منفصل) بمصطلحها اللاتيني الذي ورد بالقرار الصادر عن الامم المتحدة العام 1947 بتقسيم فلسطين على ان تخضع القدس للسيطرة الدولية, اضاف هيرتس لـ (رويترز) انه بقدر ما اعلم فلم يتحدث الاوروبيون مطلقا في الماضي عن كيان منفصل. المهم انه وبغض النظر عن ردود الفعل الاعلامية أو الدبلوماسية التي اتخذتها الحكومة الاسرائيلية لمواجهة هذه الاستحقاقات, فانه من الواضح ان حكومة نتانياهو لاتعمل ابدا على تدارك هذا الانحدار في مكانتها الدولية, من خلال التكيف مع التطورات الدولية والاقليمية, وانما تحاول كعادتها توظيف هذه الازمة في علاقاتها الخارجية بما يخدم تعزيز حظوظها في الانتخابات الاسرائيلية المقبلة, من خلال تصوير نفسها على انها ضحية ائتلاف يتهدد مصالح الشعب الاسرائيلي, أو من خلال تظهير صورتها على انها تقوم بواجبها بافضل ما يمكن لمقاومة الاملاءات الخارجية حتى لو جاءت من الولايات المتحدة الامريكية حليفتها الاستراتيجية وضامنة امنها وتفوقها في المنطقة, وفي كل توجهاتها الاعلامية التعبوية تقوم حكومة نتانياهو بمخاطبة غرائز المستوطنين وتستثير مخيلتهم الاسطورية العنصرية الاستعلائية, تارة من خلال الحديث عن ان القدس هي عاصمة الشعب اليهودي منذ ثلاثة الاف عام, وانها ستظل عاصمة اسرائيل الموحدة إلى الابد, كما قال نتانياهو, ومن خلال الحديث عن ان المفاوضات حول القدس ان جرت, فانها ستنتهي بسرعة لان لاسرائيل جوابا واحدا ونهائيا, كما قال ارييل شارون وزير الخارجية, وتارة بالحديث عن بقاء المستوطنات في مكانها وبخاصة في غور الاردن باعتباره الجدار الواقي لاسرائيل, كما قال نتانياهو, هذا فضلا عن رفض قيام الدولة الفلسطينية, واعتبار مسألة العودة للفلسطينيين من المستحيلات, ولم تقتصر الامور على هذا الحد فقد كررت اسرائيل رفضها مؤخرا للانسحاب من الجولان, واوضاعها على الجبهة اللبنانية في غاية التوتر, بل ان الامر وصل بها إلى حد رفض تنفيذ اتفاق تقاسم المياه مع الاردن. في كل الاحوال فان ما يفسر هذا التعنت الاسرائيلي, ليس فقط التداعيات التي تفرضها العملية الانتخابية, والتعبئة الشرسة التي تجري في اطارها, وانما ما يفسر تلك السياسيات هو قدرة اسرائيل على تحمل هذا المستوى من الضغوطات الاقليمية والدولية, طالما انها مازالت دون الدرجة المناسبة التي تجعل اسرائيل تنصاع لها, وطالما انه لا يبدو في الافق ما يوحي بامكانية تطورها إلى ذلك, وتبدو اسرائيل وهي تتحرك لمواجهة اوضاعها الصعبة على الصعيدين الاقليمي والدولي, في غاية الاطمئنان, بل انها تبدو احيانا في حالة هجومية معاكسة, كما بدا الامر في رفضها تزويد الاردن بحصته من المياه, وفي محاولاتها تصوير السياسة الامريكية على انها تدخل في الشؤون الداخلية الاسرائيلية, وكما بدا في اجتماع ارييل شارون, وزير الخارجية, مع السفراء المعتمدين في اسرائيل يوم 16 مارس الحالي, حيث ابلغهم ان اسرائيل تعتبر القرار رقم ,181 الصادر عن الامم المتحدة, وهو القرار الذي خلق الازمة مع دول الاتحاد الاوروبي, قرارا لاغيا وباطلا, برغم ان هذا القرار يشكل في القانون الدولي اساسا لشرعية اسرائىل ذاتها. اخيرا من الصعب المراهنة على هذه الاشارات والايحاءات في علاقات اسرائيل المضطربة على الصعيد الدولي, فاسرائيل برغم كل شيء تعتبر في الغرب جزءا من الغرب ذاته, ويعتبر وجودها ذخرا للمصالح الغربية, حتى الان, والخلاف هنا هو على شكل تمثل اسرائيل للسياسات والمصالح الغربية وبخاصة الامريكية منها. طبعا يمكن لهذا الخلاف ان يتسع, كما يمكن البناء عليه عربيا واستثماره لخدمة السياسات والمصالح العربية, ولكن هذا يحتاج إلى توفر الارادة وتوفر الشروط المناسبة, اما من خلال رفع كلفة التعنت الاسرائيلي أو من خلال تعزيز وحدة الصف العربي في مواجهة التحدي الاسرائيلي, بمختلف مظاهره.

Email