ابجديات:بقلم-عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاسباب التي تكدر صفونا, وتقلب مزاجنا, وقد تتسبب في تعاسة المحيطين بنا, كثيرة ومتجددة ولا تنتهي, ولكنها ايضا لا تعدو أن تكون تافهة جدا في معظم الاوقات . يثور الرجل في وجه زوجته واولاده متعللا باسباب لا معنى لها فقط لان مديره وبخه بعبارة قاسية, أو لان نظام المرور في الشارع كان لا يطاق اثناء عودته المسائية للمنزل, فلا يلبث ان يفرغ احتقانه وغضبه المكبوت في صغاره الابرياء وزوجته التي لا ذنب لها. وتثور المرأة في وجه صغارها الذين تعاملهم بعنف لا مبرر له, فتضرب هذا, وتدفع ذاك بعيدا, ويكون الغضب الاكبر من نصيب الخادمة التي سرعان ما تنفجر باكية, وحين تهدأ تكتشف هذه السيدة ان كل هذه الثورة لا داعي لها, وان السبب يعود (للخياطة) الحمقاء التي دمرت لها الثوب الثمين الذي كانت تحلم به لحفل زفاف شقيقها أو صديقتها المقربة. المدير ينفجر في وجه موظفيه, والرجل يطلق زوجته, والاب يتعارك مع ابنه لدرجة القطيعة احيانا, والاصدقاء يفترقون وحتى العشاق والمحبين يدخلون الدائرة ذاتها, ويضيع منهم اجمل ما في الحياة لاسباب تافهة جدا لا يدركون مدى تفاهتها الا بعد فوات الاوان. كل هذه الحالات الطاغية من الغضب والعصبية تحولنا إلى اشخاص (عصابيين) غير قادرين على استيعاب الطوارىء والمطبات الحياتية المفاجئة, فنقع تحت تأثيراتها وبسهولة تامة نمنح انفسنا واعصابنا لعجلة الظروف تفعل فعلها فينا, ثم نفاجأ باننا تحولنا إلى اشلاء, وباننا اضعنا اوقاتا كثيرة وجميلة من حياتنا في مناقشة التوافه, أو السقوط تحت ضغوطاتها. ان مناقشة التوافه طيلة اليوم, والقلق لاجل امور لا تستحق, ثم هذا التفكير المتوالي في المطلوب واللامهم, لا يحولنا إلى عباقرة أو عظماء أو سعداء, انه يحولنا إلى طواحين هوائية تتحرك بسرعة البرق, بلا توقف, وبلا نتيجة ايضا, فقلوبنا وعقولنا لا تطحن سوى نفسياتنا واوقاتنا الجميلة, وطاقاتنا الخلاقة في الابداع والعيش بجمالية وشفافية. ما الذي يدفعنا لهذا (الانطحان) اليومي, ولهذا التفتت؟ ثم ان هؤلاء الذين يعاشروننا ويحبوننا ويتحملون عصبيتنا اللامبررة, سيواجهون تلك اللحظة الحاسمة التي يسألون فيها انفسهم: ما الذي يجبرنا على معاشرة اناس مملوئين بكل هذه الرغبة في التحطيم والايذاء ببساطة ودون اسباب مفهومة أو لاسباب لا تبدو قوية دائما؟ وعندها قد نفقد من حياتنا اجمل التفاصيل دون امل في استعادتها ثانية. لقد صرخ احد القضاة ذات مرة: لقد فصلت في 40 الف قضية طلاق لاسباب تافهة, وانتهت حكايات عشق خرافية لاسباب مشابهة, وخسر كثير من الناس حياتهم بسبب جرائم قتل حدثت لاسباب غير مفهومة, وعاش كثيرون حياة طويلة يتجرعون النكد والغصة لانهم ابتلوا بأناس يدمنون فن (قتل الفرح وصناعة المنغصات). * اذا ولى الفرح وضاعت السعادة, فلا شيء يمكن ان يعيدهما ابدا, كما انه لا شيء يستحق ان نضيعهما لأجله.

Email