مع الناس:بقلم-عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لسنا الاستثناء الوحيد, كصحف عربية, في مسألة الأخطاء المهنية واللغوية والفنية, فجميع صحف العالم, تشترك في هذه الأخطاء بنسبة أو بأخرى , والصحيفة التي تستطيع أن تدعي أنها قضت على الأخطاء نهائياً وأن تفتخر بانجازها هذا على اعتبار انها صارت تقدم منتجا ذا جودة عالية, هي التي تملك الجرأة, فتعلن عن جائزة يومية ضخمة, للقارئ الذي يكتشف خطأ فيها. وعمليا فإن القضاء على الأخطاء بصفة نهائية ممكن, لولا انه يتطلب جهاز رقابة كبير العدد وعالي الكفاءة, مما يشكل عبئا ماديا حقيقيا على الصحف, تفضل ان تستثمره في زيادة المحررين والفنيين لتلبية دواعي المنافسة المستمرة, أي انها تستثمره في زيادة عدد الذين يرتكبون الأخطاء عادة, دون أن يقابلهم زيادة في عدد الذين يلقون القبض على هذه الأخطاء قبل الصدور. وهناك صحيفة أمريكية كبرى استطاعت فعلاً أن تقضي على الأخطاء بمحاربتها حرباً شعواء, وبتفعيل جهاز الرقابة فيها الى الدرجة التي تقضي بتعيين رقيب لغوي وفني لكل صفحة من صفحاتها, فكانت النتيجة ان خلت الصحيفة فعلاً من الأخطاء, وأن اعلنت عن جائزة يومية للقارئ الذي يمكنه أن يصيد خطأ في صفحة من صفحاتها. هذا المستوى المهني الذي وصلته الصحافة الأمريكية كمثال, من (نيويورك تايمز) الى (لوس انجلوس تايمز) فـ (الواشنطن بوست) وغيرها من كبريات الصحف على المستوى الوطني, لا نحلم به في صحيفة عربية, فأفضل صحيفة اليوم هي التي لا تقل أخطاؤها عن عشرة أخطاء يوميا, ما بين خطأ في عنوان أو صورة أو كلمة أو رقم, مع استثناء أخطاء فادحة في الصياغات أو ركاكة فيها, فذلك مما لا يدخل عندنا بعد في القياس والحكم. مع ذلك, فالأمريكيون غير راضين عن صحفهم, فعلى حسب دراسة أجريت مؤخرا لـ (جمعية ناشري الصحف الأمريكية) شملت آراء عدد كبير من الأمريكيين يشكل الراشدون 80% منهم, اتضح ان هؤلاء يرون الأخطاء المطبعية والنحوية وانعدام الدقة في اقتباس الأقوال وسرقة المعلومات اضافة الى الإثارة الرخيصة, هي الأسباب الرئيسية وراء تدهور مصداقية الصحف. وفي الدراسة ان القراء تزعجهم كثرة الأخطاء الاملائية والخرائط والصور التي تحمل شروح صور أخرى خطأ والأغلاط القواعدية, كما ان الدراسة أظهرت استياء القراء من المبالغة في تصوير الأحداث من أجل زيادة المبيعات, أو من المانشيتات التي تكون مضللة أو طريقة معالجة الأخبار (الاعتيادية) , أو من قصص الاثارة الحسية, وقال قراء ان كثيراً من التصريحات يتم تشويهها وتنشر بطريقة مغلوطة, وأجمع أغلب المستطلعين على انهم يرتاحون لدى نشر الصحف لتصحيحات وتصويبات لهذه الأخطاء. وهكذا فإننا والغرب في الأخطاء شرق, لولا ان الغريب ان تشترك معنا الصحافة الأمريكية, كعينة من الصحافة الغربية, فيما أجمع عليه ثلاثة أرباع المستطلعين الذين أعربوا عن شكهم في صدق التقارير الخبرية التي تعتمد مصادر مطلعة أو مسؤولة أو عالية المستوى تتحاشى الكشف عن هويتها أو اسمها, فنعرف أننا لسنا وحدنا الذين نضحك على القارئ فنسند أخبارا الى مصادر معينة دون تسميتها مباشرة, فهناك من يشترك معنا في مثل هذه اللعبة, لولا ان الأرجح أن هذه المصادر المجهولة التي تصرح للصحافة العربية والغربية على السواء هي مصادر من دول الشرق الأوسط, لا تجرؤ عادة على الصراحة, فتكون النتيجة أن تخسر الصحف, عربية أو غربية, جزءاً من مصداقيتها عند القارئ, فيما المصدر المسؤول أو المطلع, لا يخسر شيئاً.

Email