حقوق الانسان في وعيه: بقلم- د. بسيوني حمادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحتفل العالم بمرور نصف قرن على الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 ــ 1998 وسيظل جهل الانسان أو ان شئنا الدقة عدم وعيه بحقوقه العقبة الرئيسية لترجمة الميثاق العالمي لحقوق الانسان إلى واقع يمارس , ينطبق ذلك على الافراد والجماعات والحكومات, فالذي لا يعي حقوقه سيظل عبدا مكبلا بالقيود من داخله, فهو يطيع امر سيده سواء كان هذا السيد حاكما في الداخل أو كان منظمة دولية أو دولة اجنبية. وفي المقابل فان اعلى درجات حقوق الانسان هي ان يعي المرء حقه في مواجهة الاخر وان يدفعه هذا الادراك إلى أن يكون انسانا ايجابيا ساعيا لتحقيق مطالبه, سواء ادرك هذه المطالب أم لم يدركها, المهم ان تتاح له فرصة الوعي الحقيقي غير المزيف لما ينبغي ان تكون عليه حياته الانسانية من كرامة وعزة ومساواة تتفق ومعنى الاية الكريمة (ولقد كرمنا بني آدم) والتي اوجزت اجل حقوق الانسان وهي حقه في ان يحيا حياة كريمة بكل ما تحمله معنى الكرامة من عزة وشموخ ومساواة وعدالة وحرية وحماية وامن دون تمييز بين البشر بسبب الجنس أو اللون أو الدين. لقد جاء ميلاد الاعلان العالمي لحقوق الانسان كرد فعل عالمي ازاء جرائم النازية والفاشية ومن ثم جاء الاعلان مؤكدا على فكرة الحريات وهي لا شك جوهر حقوق الانسان الا ان هذا الجوهر يصبح بلا معنى في غياب الوعي به, ولعل هذا هو اما انتهى اليه د. سعيد حارب في مقاله بعنوان (حقوق الانسان .. في حريته) الخليج 12/12/1998 اذ يقول (فالعالم الثالث بالرغم من تزايد عدد دوله المتحولة إلى الانظمة الديمقراطية رقميا, حيث وصلت إلى مائة واربعين دولة الا ان هذه الديمقراطية لم تكن كذلك الا صورة لمحاكاة الغرب, اما في حقيقتها فهي خاوية من أي معنى ديمقراطي) ولعل هذا الخواء راجع إلى غياب الوعي بمعناه الشامل لدى الرأي العام في دول العالم الثالث قاطبه, والمتأمل لاول آية نزل بها الوحي على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق) سيجدها تحض على العلم والثقافة والوعي والمعرفة والاحاطة لانها بداية كل شىء واساسه وبها تتحقق آدمية الانسان ومن خلالها يستحيل من مجرد كائن حي إلى مثقف مناضل من اجل حقوقه, ولعل ادراك دول العالم الثالث لقيمة وخطورة هذا الحق الانساني الذي اراه يتصدر كل الحقوق جعل هذه الدول تكاد تحتكر وتسيطر على حركة المعلومات, فالفرد يعرف ماتريد الدول له ان يعرف بالكيفية التي تقررها في الوقت الذي تراه مناسبا والا فلماذا تحتكر دول العالم الثالث ملكية الوسائل الاعلامية الاليكترونية (الاذاعة والتلفزيون) ؟ وهي الوسائل الوحيدة القادرة على الوصول إلى عقل الامي الذي لا يجيد القراءة والكتابة ولا يتعامل مع الصحيفة أو الكتاب, ثم لماذا تسيطر البرامج الهابطة والافلام القديمة والاغاني اللاهية والمسابقات غير ذات المعنى على هذه الوسائل الاعلامية, هل يحدث ذلك صدفة؟ الوعي بانتهاك الحق في الحياة: هل يعي العرب ان اسرائيل تفكر جديا في صناعة قنبلة بيولوجية لابادة الجنس العربي وهي الجريمة التي اتهم النازي بارتكابها ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية؟ ان خبر القنبلة البيولوجية الاسرائيلية كما جاء على لسان د. محمد نور فرحات في مقاله اسرائيل وحقوق الانسان, الاهرام 11/12/1998 قد نشر لاول مرة في جريدة (الصنداي تايمز) , وهي نفس الجريدة التي كشفت النقاب في الثمانينات عن البرنامج النووي الاسرائيلي وهو البرنامج الذي اسفر عن عدة مئات من القنابل النووية والقنابل النيوترونية المبيدة للبشر فضلا عن ترسانة الاسلحة البيولوجية والكيميائية الاخرى, ومحصلة الخبر ان علماء المعهد الاسرائيلي للبحوث البيولوجية يعملون على تطوير قنبلة اثنية بتحديد الصفات الجينية المميزة للعرب ثم تخليق كائنات فيروسية تهاجم حاملي هذه الصفات من العرب, ويضيف الخبر ان الباحثين الاسرائيليين قد طوروا البحوث التي كان يقوم بها نظام الابارتايد (الفصل العنصري) في جنوب افريقيا حول انتاج قنابل بيولوجية اثنية لابادة الجنس الافريقي, ويتساءل المرء حول مدى وعي الرأي العام العربي بحقائق مثل هذه الاخبار, هل لدينا القدرة على تقصي الحقيقة؟ وهل لدينا القدرة على تنمية رأي عام مدرك لمثل هذه الاحتمالات الواردة والمدمرة؟ واين ما تفكر فيه اسرائيل في عصر حقوق الانسان وحرياته؟ لماذا لم تتدخل الولايات المتحدة في مجلس الامن لفرض حصار على اسرائيل لتقصي حقيقة الخبر من خلال لجان التفتيش الدولي التي لا تعرف طريقها الا في العراق والحصار الجوي الذي لا يعرف له تطبيقا الا في ليبيا وضرب مصانع الادوية الذي لا يحدث الا في السودان والقتل العشوائي الذي يكابده اخواننا في فلسطين, الا يعني ذلك كله ان جهل الانسان بحقوق الانسان يجعل منها اكذوبة لا اكثر؟ هل يعي الانسان العربي ان العولمة في جوهرها ليست الا مصادرة لحق الاضعف في تقرير مصيره؟ وانها الشكل الجديد والبديل العصري للاستعمار القديم. لقد بدأ نداء حقوق الانسان لمناصرة المنشقين والمعارضين سياسيا في الاتحاد السوفييتي وأمريكا اللاتينية وآسيا, وكذلك لدعم المناهضين لحركات التمييز العنصري, ولكن آن الأوان للبحث عن صيغة أكثر شمولا وأقرب الى الواقع الذي يشهد على انتهاك الدول القوية لحقوق الدول المستضعفة على المستوى الثقافي والسياسي والاقتصادي. وستظل اعلانات ومنظمات حقوق الانسان تعمل في دائرة مغلقة ما لم تفتح على أصل حقوق الانسان, وأعني به وعي المواطن الفرد في أية دولة وفي أية بقعة في الريف أو الحضر في الشمال كما في الجنوب بعناصر ومؤشرات التحيز الحقيقي في تركيبة النظام الدولي المعاصر, فالولايات المتحدة على سبيل المثال تعطي لنفسها وبموجب ما يصدره الكونجرس من قوانين حق التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة خارجية تحت أي دعوى. ولربما انتهكت الكثير من حقوق الانسان تحت دعوى حماية حقوق الانسان, ان التقرير الدولي لمراقبة حقوق الانسان يرى ان نقطة التحول الاساسية في حركات حقوق الانسان ارتبطت بالمؤتمر الدولي لحقوق الانسان عام 1993 عندما تبنت معظم منظمات حقوق الانسان شعار (حقوق المرأة هي حقوق الانسان) . والواقع ان نقطة التحول الحقيقية في ميثاق حقوق الانسان الصادر منذ نصف قرن لم تتحقق بعد لانها مرتبطة بانصاف انسان الدول المغلوبة على امرها يتساوى في ذلك الرجل والمرأة, فكلاهما يعاني من انتهاك الدول الاقوى لحقوقه, في الوقت الذي قد يبارك فيه الانسان المغلوب على امره المبادرات الدولية التي تخفي في طياتها اسوأ انتهاك لحقوقه, والمشكلة تظل في وعي الانسان. استاذ بقسم الاتصال الجماهيري جامعة الامارات*

Email