المعادلة الفلسطينية الصعبة، بين المفاوض والمقاوم، بقلم د. أحمد القديدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن ما اداه الرئيس ياسر عرفات لقضيته من خدمات جليلة لاينكرها الا مكابر عنيد, فهو المقاوم قبل ان يكون المفاوض, وهو الذي حمل في يديه البندقية قبل ان يحمل غصن الزيتون, وهو ــ وافقناه ام عارضناه ــ اصبح رمزا لكفاح فلسطين, ونقدر ان المحيط العربي للقضية صعب ومليء بالاخطار وان المحيط الاسلامي للقضية بعيد النتائج وان المحيط الدولي غير ملائم . الى حين, ونثمن على بعض مواقف السلطة السابحة في هذه التيارات الثلاثة المتلاطمة, وهي مشدودة الى قوتين متناقضتين: قوة الحق الفلسطيني الساطع في أرض الشعب ودولة ذات سيادة وعودة اللاجئين وضم الشمل وقوة الحضور الامريكي الكاسح الذي لن يسمح ــ كما لم يسمح من قبل ــ بأن يتخطى الفلسطينيون خطوطا حمراء هي بكل فجاجة الصراحة: التفوق العسكري والتكنولوجي الاسرائيلي المضمون امريكيا وضرورة هذا التفوق كاختيار استراتيجي امريكي لانه ببساطة لاتقبل التعقيد ولا المناقشة يخدم مصالح امريكا ويحرس امدادات النفط ويفرق العرب ويوحد اعداءهم. لكن الحساب الذي نظنه غائبا عن ذهن ياسر عرفات هو الاعتبار النافع بدروس تاريخ تحرير الشعوب واول هذه الدروس واكبرها هو ضرورة التعايش بين المفاوض والمقاوم, واحسب ان ياسر عرفات سينزلق في غفلة تاريخية الى ادارة التصادم بين المفاوض والمقاوم لما لايخدم مصلحة شعبه, وما رأيناه من تحركات سريعة ومحرجة للسلطة بعد اتفاق (واي) يؤكد ان التقييم الفلسطيني للوضع يحتاج الى مراجعة وتعديل وان عمليات مثل تحديد اقامة الشيخ احمد ياسين تضع عرفات في موقف المناقض لمبادئه وتوجهاته مادام الحق مغتصبا والارض محتلة والعدو رافضا للسلام, كما ان سرعة التحرك لتجريد الحركات المقاومة من سلاحها لايقابله تحرك اسرائيلي لتجريد المستوطنين المتطرفين الاسرائيليين من اسلحتهم (ولديهم حسب معلوماتنا مليون قطعة سلاح عسكري يجوبون بها الشوارع ويروعون الآمنين). اما الاعتبار بالتاريخ فلعل مثلين من العالم والعالم العربي يعطيان انموذجا من التوفيق في الملاءمة والتنسيق بين المفاوض والمقاوم: المثال الاول من كفاح شعب فيتنام حيث كان البطل (هوشي منه) هو نفسه المفاوض المقاوم.. لمرتين في حياته وحياة ذلك الشعب الصامد الاولى بمواجهة الاستعمار الفرنسي في الخمسينات والثانية امام الاحتلال الامريكي في السبعينات. كان (هوشي منه) يفاوض ويستند في ذات الوقت الى جيش التحرير الكامن في الادغال والمدن, يفاوض لكنه يدعم مقاومته ويعرف خصوماته انه وحده يملك امر وقف اطلاق النار او اطلاق سراح الاسرى, وانتصر شعب فيتنام بعد الصبر والكفاح. والمثال الثاني من كفاح شعوب عربية هي الجزائر وتونس والمغرب, وقد ابتليت باستعمار طويل جاثم على الصدور. وفي عهد حكم الجنرال ديجول جنحت فرنسا للمفاوضات وتحول الثوار في البلدان المغاربية الثلاثة الى مفاوضين ولبس كريم بلقاسم الزعيم الجزائري بدلة وربطة عنق وذهب الى مدينة (ايفيان) المائية المعدنية الفرنسية, كما ادار الحبيب بورقيبة الزعيم التونسي دفة مفاوضات باريس وهو على صلة يومية بالمجاهدين المسلحين في جبال تونس وكذلك فعل المغفور له ملك المغرب البطل سيدي محمد بن يوسف الخامس حين كان في منفاه في جزيرة مدغشقر. لا أحد من هؤلاء ـ في فيتنام وفي الجزائر وفي تونس وفي المغرب ــ تخلى عن اوراقه الرابحة الوحيدة اي المقاومة, بل كانت المقاومة هي عتاده وعدته على مائدة المفاوضات... مما جعل اعداءهم يميلون الى اخف الاضرار اي الجلاء واعطاء الحقوق والتسليم بالقدر. ذلك هو سبيل المفاوض الفلسطيني: شدة في المبادىء ومرونة في الوسائل وتمسك بالمقاومة... لسببب بسيط وقديم ودائم وهو انها مقاومة شرعية.. لا في نظر الفلسطينيين فحسب بل في نظر القانون الدولي وميثاق منظمة الامم المتحدة, لان كل شعب تحتل ارضه بالقوة له الحق ان يستعمل جميع الوسائل المتاحة لديه لتحريرها. ومن قال ان الوسائل المتاحة الوحيدة في يد فلسطين اليوم هي خيار التنازلات المتعاقبة والمفاوضات المغشوشة؟ فلعل التهديد ايضا ينفع مع من لم تنفعه الذكرى, وجنوب لبنان قائم يشهد على ذكاء الدولة اللبنانية ومنذ يومين صرح سليم الحص قائلا بأن من أولويات الدولة اللبنانية مساندة المقاومة في الجنوب ودعمها. ألا يسمع ابو عمار هذه التصريحات على الـ (بي. بي. سي) ؟!

Email