المر... والأمر منه: بقلم- محمود السعدني

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل شعرتم بزنقة الرئيس الامريكي كلينتون خلال زيارته الخاطفة لفلسطين بشطريها, الاسرائيلي والعربي, ظهر الرئيس الأمريكي مزنوقا زنقة ما يعلم بها الا ربنا اثناء خطاب نتانياهو الذي راح يستعرض خلاله افكاره المتعفنة وبرنامجه القبيح, لا مزيد من الانسحاب, لا بوصة واحدة من الأرض للعرب إلا اذا , ثم قائمة كبيرة من الشروط والطلبات, تبدأ بقتل جميع المعارضين لصلف اسرائيل وعنادها, إلى الكف عن تدخين السجائر الرخيصة وشرب القهوة العربية التي تثير قرف الاسرائيليين وامتعاضهم. اثناء القاء نتانياهو لخطابه كان الرئيس كلينتون يهز رأسه علامة الموافقة والاستحسان. كان نتانياهو في كلمته يتحدى رئيس رؤساء الكرة الارضية وملك ملوك المعمورة, ولكن كلينتون الكبير كان لا يملك الا هز رأسه علامة الموافقة, بالرغم من تصريحاته الواضحة قبل وصوله إلى اسرائيل بأن اتفاق واي ريفر لابد من تنفيذه من الطرفين, بالاضافة إلى تصريحه الآخر بأن الفلسطينيين ادوا واجبهم ونفذوا المطلوب منهم. قلة أدب نتانياهو وعدم تربيته ادت به إلى تعمد اهانة الرئيس الامريكي وهو في ضيافته, ولكن الرئيس الامريكي لم يشعر بأي اهانة الحمد لله وواصل هز رأسه علامة الموافقة والاستحسان وعندما انتقل الرئيس الأمريكي إلى المنطقة العربية, قام بتقسيم طرف لسانه إلى نصفين, وأعطى بنصف طرف اللسان حلاوة للفلسطينيين وبالنصف الاخر حلاوة للاسرائيليين, ولكن هذا الريق الحلو للفلسطينيين رغم ضآلته أشاع جوا من الرضا في الضفة الغربية وغزة. صحيح انه ليس المراد من رب العباد, ولكنه ما أمكن استخلاصه من براثن الذئب المفترس نتانياهو والضبع الضايع شارون. وإذا كان الرئيس الامريكي بجلالة قدره وقف يرتعش اثناء خطاب نتانياهو, وهزة رأسه العصبية كانت دليلا على الرعشة وليست دليلا على الموافقة. وفي اعتقادي ان الرئيس الأمريكي كان يخشى من عملية اسرائيلية مجنونة لاغتياله خصوصا بعد تصريحات الحاخام الأكبر لحزب شاس الذي أعلن لحظة هبوط كلينتون بطائرته... ان على كلينتون ان يأتي إلى هنا ويركع عند أقدام اليهود ويقبلها بشدة. حتى أقدام اليهود صارت مقدسة في هذا الزمن الردىء! ولم يكن الاغتيال هو هاجس كلينتون الوحيد كان بشخصه في اسرائيل وبذهنه في نيويورك معقل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة. لان كلينتون جاء إلى فلسطين في التوقيت الخطأ. انه في انتظار المحاكمة وربما الفصل من الوظيفة. وعندما كنت شابا في مقتبل العمر كان لي صديق يعمل في وظيفة (كونستابل ممتاز) وهي وظيفة بين العسكري والضابط, وحدث ان صديقي هذا ارتكب غلطة جسيمة فأحيل إلى لجنة تحقيق, وبعد المرافعات والمداولات انتهت اللجنة إلى قرار بفصل صديقي (الكونستابل الممتاز) من الخدمة. وانطلق صديقي خارجا من القاعة التي شهدت اجتماعات اللجنة ومضى في طريقه إلى الجيزة وعلى كوبري عباس ركن الموتوسيكل على سور الكوبري, ثم قفز إلى الماء وذهب في الباي باي ياولداه! ولكم أن تتصوروا حضراتكم وتخمنوا النهاية المنتظرة. وإذا كان قرار فصل كونستابل ممتاز ادى إلى انتحاره, فما بالكم بفصل رئيس أقوى وأكبر وأغنى دولة عرفها تاريخ العالم منذ طوفان سيدنا نوح إلى فضيحة ستنا مونيكا. وفي هذه الزنقة التي انحشر فهيا أخونا كلينتون كان لابد أن يظهر انحيازه لنتانياهو, لعل وعسى يفيده نتانياهو أو حاخامه الأكبر, فينقذه من الهلاك أو يخفف عنه المحنة, ولأن الدنيا مصالح فمصلحة كلينتون في هذه الزنقة المحشور فيها أن تكون عواطفه مع اسرائيل لانه لو اظهر اي نوع من العطف على الفلسطينيين, فماذا يستطيع الفلسطينيون أن يقدموا له الجواب... لا شيء بالتأكيد لان كلينتون ليس كالشاعر المتنبي الذي قال لقاتله في شجاعة لا حيل عندك تهديها ولا مال شعار الزمن الحالي لاحيل عندك تهديها ولا مال, فروح في داهية وهو شعار الجميع الآن من أول كلينتون إلى حضرة الكونستابل الممتاز! الغريب أن نصف الفلسطينيين وقفوا يصفقون لكلينتون بحرارة في غزة في الوقت نفسه, كان نصف الفلسطينيين يجتمعون في دمشق وانهمكوا في شتيمة كلينتون وسب الاخضرين لنتانياهو واتهام النصف الآخر من الفلسطينيين بالخيانة. والعبد لله لاينتقد هذا الجانب أو ذاك الجانب, فالفريق الذي صفق عنده حق والفريق الذي شجب عنده حق! ولكن للعبد لله سؤال يوجهه للمعارضين ... ماهو البديل لديكم من غير مؤاخذة؟ هل لديكم تجريدة؟ على رأي سعد باشا زغلول. هل نظمتم الصفوف ورتبتم الكراريس وعينتم القادة؟ هل الجحافل على وشك الزحف لاسترداد حيفا ويافا والقدس؟ اذا كان كل شيء جاهزا وعلى أهبة الاستعداد, فالعبد لله يقسم لكم انني سأخلع هدوم المنظرة وارتدي هدوم الشغل وازحف خلف الجيش الغازي اكنس الخنادق وأتولى تلميع الاحذية واشتغل مرمطونا في مطبخ الابطال المقاتلين, أقشر بصل واعصر طماطم واخرط ملوخية واسلق لحما, ولكن اذا لم يكن لديكم سوى الشعارات اياها والكلام الكبير اياه فاسمحوا لي ايها السادة... كفة عرفات أرجح, وطريق عرفات اكثر حكمة. صحيح انه حدثت تنازلات وحدثت تجاوزات, ولكن ما باليد حيلة. لان كل الكلام الذي تحفظونه وترددونه لن يعيد بوصة واحدة من الارض, ولن يطلق سراح اسير واحد من السجن, حتى ولا الحرامي النصاب وكلمات من نوع الزخم الاشتراكي المتدفق نحو الأفق من أجل التمايز الطبقي المنفصل عن الحركة الجدلية لتطلعات الجماهير الشعبية ضد اطماع الرأسمالية الكوبرادورية هي في الاساس حركة غير صحيحة ولا تستند على أساس! كلمات من هذا النوع يا سادة تصلح للقراءة على رصيف قهوة في اية عاصمة أوروبية, وهي تصبح ذات فائدة كبيرة في عدل الدماغ مع مشروب مثلج وطبق نقانق من النوع الممتاز ومن يريد ازاحة عرفات ووقف مسيرته ليس أمامه الا طريقا واحدا هو طريق خالد بن الوليد أو عمرو بن العاص اما الشعارات والمؤتمرات اياها وتصديع الادمغة بكلمات ما أنزل الله بها من سلطان, فقد جربناها من قبل وكانت السبب في ضياع فلسطين, كما انها السبب الآن في ضياع شمال العراق. وحاجة من اثنين ايها السادة اما ان نستخدم لغة العصر, لغة الصواريخ والاسلحة النووية والجيوش التي تسد عين الشمس, او اتركوا عرفات وساندوه لعله يتمكن من انقاذ بعض الاشلاء من جثة فلسطين الممزقة وقديما سألوا أحدهم... إيه اللي رماك على المر؟ فأجاب: اللي أمر منه!

Email