الحل الوحيد:بقلم- د. مصطفى محمود

ت + ت - الحجم الطبيعي

ميزان العدالة في هذا العالم الظالم مختل .. وهو يزداد اختلالا كل يوم, من عنده يعطى فيزداد ومن ليس عنده يؤخذ منه . اسرائيل عندها اسلحة جرثومية محظورة وهي تضيف اليها ترسانة كيميائية محرمة دوليا, وفرنسا تبيعها مفاعلا ذريا, وامريكا تعطيها اسرار وخامات تصنيع القنبلة النووية ... ولا تكتفي اسرائيل بهذا الكرم الامريكي فتسرق عن طريق الجاسوس بولارد من امريكا مزيدا من اسرار الصواريخ بعيدة المدى والتكنولوجيا المحظورة الخاصة بها ... وتغمض امريكا عينيها وتسامحها رغم هذه النذالة وتكتفي بسجن الجاسوس بولارد. وتتكدس الاسلحة في اسرائيل وتقرر امريكا في نوبة كرم اخرى تخزين فوائض اسلحتها في اسرائيل ... وتتحول اسرائيل الى مخازن رهيبة لاسلحة الدمار الشامل من كل لون . وماذا يجري للعرب حولها ؟! فرق التفتيش تجوب ارض العراق منذ تسع سنوات بحثا عن بقايا صواريخ سكود يخفيها صدام تحت الارض ... وتشق الارض بحثا عن روائح غاز الخردل والسارين, وسلاح الطيران الامريكي يهدد بضرب العراق كل يوم اذا لم يخرج السفاح صدام حسين وثائق الاسلحة التي يخبئها في جيوبه. ماهي الحكاية بالضبط؟! وماهو المطلوب ..؟! ولسنا مع صدام ولا نشك في اجرامه ولا في سجله الدكتاتوري الأسود ... ولكن ما تخطط له امريكا لايقل بشاعة واجراما, فالقنابل التي سوف تلقيها على العراق لن تبحث عن صدام لتقتله وانما سوف تنسف وتدمر وتحرق كل مافي طريقها دون تمييز بين مجرم وبريء من الشعب البائس المغلوب على امره بينما يكون صدام آمنا في مخبئه الخرساني تحت الارض. وما تفعله امريكا هو القتل للقتل بلا مبدأ. والمبادىء مفقودة من البداية ... فكيف تعطي امريكا واسرائيل لنفسيهما الرخصة في تدمير واحراق المنطقة كلها ولا يكون لاي دولة الحق في الدفاع عن نفسها والحق في استخدام السلاح المقابل. واذا كان المطلوب هو اخلاء الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل فلماذا لا يكون القرار ساريا على الكل وملزما للكل؟ .. ولماذا توضع اسلحة الدمار الشامل في يد اسرائيل وتحرم على اجناس العرب كلهم كما لو كان العرب جنسا خلق للابادة واليهود جنس متميز خلق للتعظيم والتكريم والسيادة ... أليست هذه هي العنصرية الكريهة بعينها؟ وفي اي شرع يجوز هذا التخطيط الجبان لتحويل المنطقة العربية الى منطقة اذعان وخضوع وتسليم غير مشروط لدولة صغيرة مفتعلة فرضت فرضا على دول الجوار بالقوة والنفوذ الامريكي ليتكدس فيها سلاح بهذه الصورة بينما يحرم على الباقين؟ وتتمزق ستارة السلام المفتعل كل يوم وتنكشف مكائد مدريد وكوبنهاجن واوسلو واحد واوسلو اثنين ... ومحاولات حشر العرب في مظاهرات سلام واستسلام مشبوهة لا تؤدي الى شيء. ولا يبقى للفلسطيني سوى ان يرضى بالفتات او يفجر نفسه في قنبلة انتحارية. من ذا الذي يتصور ان مثل هذا الظلم يمكن ان يستمر؟ واذا رضي جيل الذل فكيف ترضى كل الاجيال؟ واذا استسلم افراد فكيف يستسلم ألف مليون مسلم لارادة دولة صغيرة تعيش في جنون السيادة واحلام التسلط؟ لقد اشعلت امريكا فتيل قنبلة زمنية والشرارة تسري الآن في الفتيل وسوف تنفجر المنطقة في القريب . لقد صنعت امريكا من اسرائيل وحشا كاسرا ... وهي تطلب منا الآن التطبيع مع هذا الوحش .. واحتضانه واستئناسه, كيف ؟! وكيف يمكن ان تسمى هذه العلاقة تطبيعا وهي ابعد ما تكون عن الطبيعية كيف يحكم علينا بأن نعاشر ذئبا ثم يطلب منا كل يوم ان نقبله في فمه ونؤاكله ونشاربه ونجالسه ونراقصة ونفتح له بيوتنا وقلوبنا. هذه امور مكانها السيرك وليس مكانها الحياة الطبيعية .... والقرود وحدها هي التي تستطيع الرقص على الحبال ونحن لسنا قرودا. ودولة اسرائيل بوضعها الحالي ليست دولة وانما هي مخزن بارود وبناء من اصابع الديناميت والجلجنايت وسياسة مندفعة من الغرور والصلف والاعتداد بالقوة واعتماد متبجح على الفتوة الامريكي في قهر الكل واخضاع الكل, وعلى كل دولة عربية ان تقيم حساباتها على هذا الاساس. ان الامان في المنطقة اصبح مفقودا الى حين اشعار آخر. وعلى كل دولة عربية ان تؤسس دفاعاتها على ضوء هذا الفهم الواقعي للأمور. وعلى العرب ان يرتبطوا في حلف مصير وان تكون لهم خطة عمل امام كل احتمال وألا يناموا على سلام كاذب وألا يركنوا الى الوعود الامريكية الزائفة . واذا كانت امريكا جادة في الاصلاح فانه لايوجد الا حل واحد فاعل وحاسم وهو اخلاء المنطقة كلها من اسلحة الدمار الشامل وتحريم وتجريم هذه الاسلحة بقرار دولي جماعي يوقع عليه الكل ولا يوجد حل آخر. ولكن امريكا غير جادة وغير راغبة وهي تريد هذا الخلل عامدة متعمدة لتعطي اسرائيل مفاتيح السيادة على المنطقة ... لتكون كلب الحراسة الامين على مقدراتها وثرواتها لصالح الحليف الامريكي. وامريكا تتطلع الى اسواق وثروات العالم وهي تخطط ليكون لها القطبية المطلقة والدائمة على الكوكب الارضي ... ومثل هذه المغامرة الكبرى تحتاج الى وكلاء واعوان وسماسرة في كل مكان ... والصهيونية بفروعها واذرعها الاخطبوطية في جميع القارات تريد ان تثبت الصلاحية الكاملة لهذه الوكالة الجهنمية التي سوف تسوس امريكا بها العالم. ان امريكا واسرائيل شريكان في هذا المخطط وسيكون المكر الصهيوني في خدمة الجبروت الامريكي ... ونحن نرى الآن البدايات ... ولا نشاهد الا قمة جبل الثلج العائم ولا ندري حجم هذا الجبل ولا امتداده ولا ما يخفيه في عمق البحر وقد قرأنا في كتب التاريخ عن المغول والتتار والفرس والروم وقوم عاد وقوم ثمود وعن دول عظمى زالت وحكى القرآن عن عاد واسماها عادا الاولى ... ولم يأت ذكر لعاد ثانية ... فهل هي اشارة الى الجبروت الامريكي المنتظر. ونحن لاشك نرى ميلاد هذا الجبروت وقد شاهدناه ينمو في الساحة التي خلت بانهيار روسيا وغيبة الصين .. والمستقبل لاشك يخفي ماهو اعظم ولا يفزعني هذا الجبروت فهو كلما ازداد عتوا كلما اقترب من نهايته, انما هي سنن تكرر نفسها عبر الزمان الذي لايبقي على شيء ... وكل ما على ظهر الارض اليوم ... غدا يكون في بطنها. وتحت التراب يلتقي كل الجبابرة ليرقدوا الى جوار ضحاياهم ... حيث يتمدد القاتل الى جوار القتيل والسيد الى جوار العبد في غفوة عميقة .. الى نفخة الصور ولا احد يعتبر ولا احد يتذكر هذه اللحظة ولا احد يدرك انه ميت لا محالة وانه سوف يبعث ويسأل حين لايعود هناك ملك ولا سلطان لاحد الا لله وحده ... وحينئذ لن تملك نفس لنفس شيئا ولن تنفع شفاعة ولن يجدي اعتذار ... وساعتها سوف يشمل الفزع الاكبر كل النفوس الحاشدة في ذلك الموقف الرهيب وساعتها لن يكره الجبار شيئا كراهيته لجبروته ... وسوف يتمنى لو ازاح عن نفسه هذا الحمل الثقيل وهيهات . والمشكلة ان كتاب الدين اصبح موضة قديمة في اوروبا ولم يعد احد يفتح كتاب دين وطغت غراميات السينما وعبثيات المسرح على الدنيا ... واصبح الشاغل الاول لمراكز السياسة والتأثير في امريكا واوروبا ان يصدروا الينا هذا العبث عبر الفضائيات في بهرجة من الالوان والاغراء الجنسي والعري ويصبوه على شبابنا صبا من سماوات مفتوحة لا سلطان لنا عليها. واصبحت النصيحة التي تبذل لحكومات المنطقة ان تبتعد عن الاسلام وتقلص مناهجه وتجفف ينابيعه حتى تبتعد بنفسها عن بلاء الارهاب مع ان الارهاب من صنعهم ورؤوس الارهاب يعيشون في واشنطن ولندن وجنيف بدعوة من حكوماتها وتحت حمايتها يمرحون في انهار الشمبانيا والدولارات. وما حدث في الاقصر حدث بترتيب وباتفاق وبتدريب من هناك ولم يخرج من عندنا . وما يجري في العالم على اتساعه هو هذا المكر والعبث بالعقول والتدمير المنظم للعالم الثالث الضعيف ولمنطقتنا العربية بما فيها من تراث ولغة وقيم وديانات وحضارات ... ولا نملك الا ترديد هذا الهمس القرآني الجليل الذي همس به جبريل في القلب المحمدي منذ اكثر من ألف وأربعمائة سنة وكأنما نزل علينا لتوه : (أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة أفمن هذا الحديث تعجبون ... وتضحكون ولا تبكون ... وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا) سجدنا لك يارب .. وسألناك العفو والمغفرة والنجدة ومن سواك يسأل في هذه الدنيا؟ ومن سواك له الجلال والمجد والقوة والبقاء؟!

Email