الجيش يبحث عن دور أكبر في اندونيسيا: مصير سوهارتو يطارد الرئيس: بقلم- رضي الموسوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كأن ابواب المجهول انفتحت على مصراعيها في تداعيات الأزمة الطاحنة التي تعاني منها اندونيسيا بعد ان تجددت الاضطرابات بفعل الانهيار الاقتصادي, لتطال هذه المرة الجوانب العرقية والدينية, حيث سجلت في الاسابيع القليلة الماضية عمليات حرق متعمدة لبعض المساجد والكنائس. وحين يصل الصراع الى هذه المستويات الدامية والانحرافية, فإن التفتيش عن أياد خفية تعبث بالمقدسات . فبعد شهور قليلة من استلامه رئاسة الدولة خلفا لاستاذه الجنرال سوهارتو, يواجه الرئىس يوسف بحر الدين حبيبي احتمالات صعبة تتعلق مباشرة بمستقبله السياسي في سدة الحكم. فقد اراد الرئىس المخلوع تنصيب مساعده ليخفف عليه عبء المساءلة فيما بعد, إلا أن تدهور الاوضاع (حشر) حبيببي في زوايا حادة ليس من السهل التملص منها بالوعود التي اعتاد اطلاقها كلما تفجرت الازمة. فقد نشرت سبعة عشر شخصية معارضة منتصف الشهر الماضي بيانا في الصحف يطالب الرئيس بحر الدين حبيبي بالاستقالة لصالح مجلس انتقالي يشرف على انتخابات ديمقراطية, وذلك في محاولة لوضع حد لتدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تنذر بموجات عنف شديدة تزداد مع انتشار الفقر واليأس من امكانية احداث اصلاحات جذرية في بنية النظام السياسي. والمؤشرات تؤكد ان (الثورة القادمة ستكون ثورة نادرة من نوعها. وهذا هو الجزء الخطير منها, حيث انها ستكون دموية جدا) حسب تعليق احد الدبلوماسيين الغربيين المتابعين للاوضاع الاندونيسية الداخلية. فالازمة لاتزال تسقط الملايين من الطبقة الوسطى وتهوي بهم الى قاع الفقر والبطالة والتشرد. ومع استمرار الوضع في تدهوره, تواجه الحكومة هناك ارباكا شديدا. فقد خضع ثمانية من زعماء المعارضة الذين طالبوا برحيل الرئيس الى تحقيقات, في محاولة لتحميلهم مسؤولية تدهور الوضع. اذ واجه النظام احتمالين احلاهما مر: الاول تحجيم دور الجيش في السياسة الداخلية ولحجم اندفاعاته للقتل بالرصاص الحي وبالتالي عزل قائده الجنرال ميرانتو وتحميله مسؤولية القمع الذي ذهب ضحيته نحو عشرين شخصا ومئات الجرحى, والثاني تحميل مجموعات سياسية المسؤولية عن الاضطرابات. وقد اختار الرئىس حبيبي الخيار الثاني, كونه لايتمتع بقوة فاعلة داخل الجيش, وكون هذا الاخير يسعى لتعزيز دوره في الحياة السياسية الداخلية ليكون صاحب القرار الحاسم. لكن اندونيسيا, وحسب المتابعين لشأن الازمة, ليست بحاجة لبطش الجيش واطلاق العنان لبنادقه كي تحصد المزيد من الضحايا, بقدر ماهي بحاجة لضبط الحالة الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة والحفاظ على ماتبقى من امكانيات اقتصادية تمكنها من اعادة دفع عجلة التنمية الى الامام. اي انها بحاجة ماسة لاجتثاث الفساد في النظام السياسي والذي يصفه رئىس مكتب المدفوعات الاندونيسي الدكتور كومارا دجاجا بانه (كل فاسد, وانعكس ذلك في ادارة اقتصادية ظهر لاحقا كم كانت فضائحية) . ويذهب الدكتور جيفري وينثرز, الاستاذ في جامعة شمال غرب شيكاغو المتخصص بالاقتصاد السياسي لاندونيسيا, الى القول بان ثلث ديون البنك الدولي لاندونيسيا ذهبت الى جيوب مسؤولين, ما أثار عليه حفيظة بعض الوزراء الذين اتهمهم وطالبوا بمحاكمته على اقواله. وفي الجانب الثاني يبدو ان ظل الرئيس السابق يخيم على تطورات الازمة, فقد تقررت محاكمته وتوجيه تهم الفساد والثراء غير المشروع, حيث تقدر العديد من الاوساط ان ثروة سوهارتو وعائلته تصل الى 45 مليار دولار راكمها ابان حكمه الذي استمر اثنين وثلاثين عاما, اي انه كان يضيف ما مقداره مليار واربعمائة مليون دولار سنويا! وحين تم سؤاله عن كيفية تجميع الثروة قال سوهارتو انه مدخر جيد لراتبه الشهري؟! ان كثيرين يشككون في قدرة النظام الحالي على تجاوز المأزق الاقتصادي, ذلك ان حجم الدين الخارجي حين تفجرت الازمة قبل استقالة سوهارتو بلغ 140 مليار دولار منها 45 مليارات دين الدولة والباقي من حصة القطاع الخاص اي 95 مليار دولار, وتثار حاليا تساؤلات جدية عن كيفية حصول هذا القطاع على هذا الحجم الهائل من الديون, فيما تشير اصابع الاتهام الى بطانة الرئيس سوهارتو والمقربين اليه وعائلته ودورهم في تمرير هذه الديون ارتكازا على المصارف المقررين فيها والتي تجاوزت المائتين وخمسين مصرفا. وبالرغم من هذا المأزق الذي تواجهه اندونيسيا, فقد بلغت حصة الاستثمارات التي وجهتها دول الاسيان اليها 4.6 مليار دولار نصفها من ماليزيا. في حين استحوذت فيتنام على الحصة الاولى لاستثمارات هذا التكتل حيث بلغت حجم الاستثمارات التي دخلت اليها خلال العام الماضي 8.2 مليار دولار. كما ان الاستثمارات الاجنبية في دول الاسيان قد زادت خلال العام الماضي لتصل الى 87.6 مليار دولار, بسبب انخفاض سعر صرف عملات كل هذه الدول وخاصة اندونيسيا وتايلاند. واذا ما اضيفت هذه الاستثمارات لحجم القروض التي قدمتها الدول المانحة للنمور الآسيوية, فإن الارضية كان يمكن لها ان تكون صالحة لاعادة الانطلاق اذا ماتوفرت الانظمة الاقتصادية والسياسية النزيهة, بيد ان المعطيات تشير الى غير ذلك, بل الى احتمالات جديدة عن امكانية انقسام الجيش التي بدت بعض بوادرها بانضمام بعض جنوده للمتظاهرين المطالبين باصلاح حقيقي ينقذ البلاد من الفقر والفوضى, خاصة وان بعض وحداته استخدمت الرصاص الحي لمواجهة الطلبة, في الوقت الذي يؤكد قادة الجيش ان الاوامر الصادرة تنحصر على الرصاص البلاستيكي. صحفي بحريني*

Email