ابجديات:بقلم- عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاديب الانجليزي المعروف (سومرست موم) يقول: بالقليل من الفهم, وحسن الادراك والتسامح, وبالقليل من خفة الروح والمزاج الرائق, تجد نفسك اسعد انسان على هذا الكوكب الذي ندعوه الارض . هل ما يقوله (موم) صحيح؟ اذن فلماذا لايشعر الناس بالسعادة طالما ان الشروط التي تتطلبها هذه السعادة سهلة جدا, وطالما ان مدخلهم لها متطلبات في متناول الجميع وليست معجزة او تركيبة سحرية؟ لماذا تنحصر اكبر مآسي الانسان احيانا في عدم قدرته على ادراك السعادة وتذهب سنوات العمر كلها بحثا عن هذا الالق المشتهى الذي لم تتفق البشرية حتى اليوم على ماهيته, وكيفية تحقيقه؟ عندما يراك البعض من الأهل او الاصحاب, بائسا او مكتئبا او في حالة شقاء ما, فانهم غالبا ما يبحثون عن اقصر الطرق لاسعادك كالسفر, او تجديد اثاث منزلك, او حضور حفلة غنائية او فيلم سينمائي, او الاكثار من زيارة الاصدقاء او النوادي او... ومع عملك بنصيحتهم إلا ان السعادة تغرد في سرب آخر تماما! ونظل نحسد الآخرين على سعادتهم, والآخرون يحسدوننا على سعادتنا وحينما نصل نحن وهم لهذه السعادة فثمة عقبة كبيرة تعترضنا, انها البحث عن سعادة اخرى, اكبر واجمل, مع علمنا انه لاشىء يأتي كاملا حتى السعادة, لكنه العلم الذي لا يشبه اليقين, العلم الذي لا روح فيه ولذلك لا نصل به ومعه لا الى سعادة اكبر ولا الى القناعة بما بين ايدينا. انظر الى نفسك تجد انك غير سعيد بمنزلك, لانك تعتقد ان منازل الآخرين اجمل, فهي اذن مصدر لسعادة اكبر, لكنك اذا حاولت التسلل الى تلك المنازل الجميلة, فان صدمتك ستكون كبيرة, حيث ستكتشف في اغلب الاحوال انها خالية تماما من السعادة, وان الذين يتحركون فيها اناس ربما فقدوا شروطهم الانسانية منذ زمن, ومعها فقدوا سعادتهم. إذن فالسعادة ليست في حدائق الغرباء, انها في نفس الانسان ولديه, وحوله, وعبثا يبحث عنها في الخارج, لب القضية ان السعادة نسبية, وان ما يسعدني قد لايسعد غيري, وان قليلا من بعض الاشياء يجعل البعض قانعا وبالتالي سعيدا, بينما كثير من كل شيء لايصل بآخرين الى اي درجة من درجات الرضا وبالتالي يبقى ظمأه على حاله والظامىء لا يمكن ان يكون شخصا سعيدا على الاطلاق. يقول تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) ولذلك يوقف البعض حياتهم لتحقيق هذين الهدفين, جمع اكبر كمية من المال وبأي طريقة, والاكثار من البنين دون تعهد بالتربية والتنشئة الصالحة, ثم يأتي شاكيا متأففا باحثا عن السعادة التي يرفل بها جاره الفقير مع ابنائه! بينما هو فعل لاولاده كذا, واشترى لهم كذا وكذا ومع ذلك فإنهم فاشلون وسيئون. هذا الرجل وغيره كثيرون لم يكملوا قوله تعالى: (والباقيات الصالحات خير عند ربك..) لانه اذا لم يرافق مساعينا في هذه الحياة يقين ثابت بضرورة الخير والصلاح والقناعة فان كل ما نعمله حرث في البحر لا اكثر وزبد لا ينفع وسوف يذهب جفاء. سيبقى الجري وراء الدنيا هو الشقاء الابدي الذي يقبض على الانسانية بأيد من فولاذ, دون ان تستطيع التحرر منه.

Email