المهنة والاخلاق: بقلم الدكتور- محمد قيراط

ت + ت - الحجم الطبيعي

المهنة هي الصحافة ونقصد هنا الممارسة الاعلامية بمختلف انواعها واشكالها والاخلاق هي الحدود والمواثيق والاعراف والآداب التي يجب ان تتقيد بها هذه المهنة حتى تبقى شريفة, نزيهة, ونبيلة تؤدي مهمتها على احسن وجه بعيدا عن المزايدات والمساومات وكل ما يسيء الى المهنة واخلاقياتها. في الايام القليلة الماضية كانت (قناة الجزيرة) وبرنامج (الاتجاه المعاكس) محل نقاش شرعية نشر صور المتهمين في الصحف, وهل يحق نشر هذه الصور ام لا؟ واذا تمت عملية النشر من هو المسؤول؟ وفي قضية ثالثة شنت الصحافة البريطانية وبالتحديد (الصنداي تلجراف) هجوما عنيفا على مصر حيث اتهمتها باضطهاد الاقباط والتمييز الديني ضدهم وهذا بالاعتداء على اكثر من الف منهم. الموضوع الرابع والذي يستدعي ان نقف عنده كذلك وننظر اليه من زاوية مهنية واخلاقية هو الفيلم الامريكي (الحصار) والذي بدأ عرضه في دور السينما الامريكية في الاسبوع الماضي والذي يكرس مرض الاسلاموفوبيا والعنصرية ضد كل ما هو عربي ومسلم. ونظرا للأهمية الاستراتيجية لمهنة الصحافة ودورها المحدد في المجتمع فانه من الاهمية بمكان على القائم بالاتصال والمؤسسة الاعلامية نفسها التقيد والامتثال للثوابت والمحددات والمستلزمات التي تحكم هذه المهنة والتي نلخصها فيما يلي: * ان تحترم حرية الصحافة الحياة الخاصة للآخرين, ويجب على الصحافي ان يعرف حدوده ولا يتخطاها باستعماله قلمه ومنصبه لتحقيق اهداف واغراض تكون بعيدة عن الكشف عن الحقيقة وابلاغ الجمهور, وانما الانحراف والابتعاد عن الضمير المهني واخلاقيات المهنة لتحقيق مصالح شريحة او فئة معينة على حساب المجتمع بأكمله. * على القائم بالاتصال في دولنا العربية الاسلامية ان يضع نصب عينيه الواقع الذي يعيش فيه بكل مكوناته وثوابته وعاداته وتقاليده, ولذلك يجب ان يبتعد عن التقليد الاعمى وعن بعض الممارسات الصحفية التي لاتنسحب ولاتنسجم مع المجتمع العربي الاسلامي ومع المستقبل في هذا المجتمع, وكلنا يعلم الفراغ الديني الذي تتخبط فيه المجتمعات الغربية وكذلك المواضيع التافهة والساذجة التي تحتل في الكثير من الاحيان الصفحات الاولى من الجرائد واوقات الذروة في القنوات التلفزيونية. * رسالة القائم بالاتصال في الدول النامية تتحدد قبل كل شيء في مهام نبيلة وفي اولويات محددة تتعلق بالتنشئة الاجتماعية والتوعية والتثقيف وتصحيح الاخطاء والهفوات وتنوير الرأي العام من اجل عطاء اكثر واداء اوفر. * تهدف حرية الصحافة الى خدمة الصالح العام من جمع وتوزيع الاخبار والهدف هنا هو تمكين الرأى العام من اصدار احكام صائبة ورشيدة على قضايا العصر. كما من واجب القائم بالاتصال ان يراقب ويكشف ليس افراد المجتمع فقط وانما المشرفون والقائمون على السلطة كذلك اذا استخدموا نفوذهم وسلطتهم لاغراض شخصية ولدوافع انانية. * حرية الصحافة هي ملك للشعب بكامله ولذلك يجب صيانتها والدفاع عنها وعدم الاساءة في استخدامها. * الصحافي الذي يحترم نفسه وجمهوره ومصادر اخباره ومهنته هو الصحافي الذي يعمل بالصدق والدقة وعدم التحيز والتقيد باحترام حقوق الشعب ومراعاة الآداب العامة وهو الصحافي الذي يعمل ليل نهار من اجل المحافظة على سمعته واسمه وكذلك المحافظة على مهنته وسمعة مؤسسته. وليعلم الصحافي ان الجمهور ليس غبيا ويستطيع ان يفرق بين (الدعاية المجانية) و(التطبيل والزغردة) والتملق وبين الصحافة الهادفة والغائبة. فاذا نظرنا الى شرعية نشر صور المتهمين في الصحف, وهل يحق نشر هذه الصور أم لا؟ واذا تمت عملية النشر من هو المسؤول؟ فالعملية من الناحية الاخلاقية والقانونية واضحة وضوح الشمس, انطلاقا من مبدأ ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته, حيث من غير المعقول ان ننشر صورا لاشخاص متهمين لم تثبت ادانتهم بعد ولم تحكم المحكمة في قضيتهم بعد, والصورة كالنص وكالبيانات والمعلومات الاخرى سر من اسرار التحقيق لا تستطيع الجريدة ان تتصرف فيها كما تشاء أو تقوم بتنفيذ اوامر جهات مختلفة, المؤسسة الاعلامية هنا من واجبها ان تحمي نفسها وان ترفض نشر صور المتهمين حفاظا على سمعتها وعلى مبدأ الخدمة العامة, فنشر صورة المتهم قبل صدور الحكم النهائي في حقه يعتبر عقابا, وعلى الصحافي هنا والمؤسسة الاعلامية ان يتساءلا ماذا لو حكمت المحكمة بالبراءة على المتهم؟ كيف يكون الموقف وقد ادت المؤسسة الاعلامية والصحافي الى تشويه سمعة الشخص والمساهمة في المساس بكرامته والتشهير به؟ وفي هذه الحالة يصبح الحق باطلا والباطل حقا. في اخلاقيات العمل الاعلامي يجب على القائم بالاتصال الرجوع دائما الى المنطق وان يسأل السؤال التالي دائما (ماهي الفائدة من وراء العملية الاعلامية؟ أهي التشهير ام القذف؟ ام خدمة المصلحة العامة ام الحاق الضرر بالآخرين؟ فالتحلي بالاخلاق والامتثال للقانون وللصالح العام من المميزات الرئيسية للعمل الاعلامي الناجح. اما عن الاعلام الغربي ومرضه الهستيري ضد كل ماهو عربي واسلامي فانه من حين لآخر يتحفنا بابداعات جديدة وبموضوعات من آخر طراز, وآخر موضة اتحفنا بها الاعلام البريطاني وبالتحديد (الصنداي تلجراف) هي عملية شن هجوم عنيف على مصر حيث اتهمتها باضطهاد الاقباط والتمييز الديني ضد المسيحيين وهذا بالاعتداء على اكثر من ألف منهم. وهنا نلاحظ ان الصحافة الغربية تضرب عرض الحائط ومتى تريد كل ما يتعلق بمقومات اخلاقيات العمل الاعلامي ومقومات حرية الصحافة وحرية التعبير وغيرها من الاسس التي نظر لها الفلاسفة والعلماء أمثال (جون ميلتون) و(جون لوك) و(جان جاك روسو) وغيرهم, وافتراء (الصنداي تلجراف) جاء في غير محله حيث انه تجاهل تماما ان المسلمين والمسيحيين يعيشون في تلاحم ووئام تام في مصر, وما كان رد الاقباط انفسهم على (الصنداي تلجراف) الا درسا لا ينسى في الاخلاق وفي احترام واعتبار الآخرين. افتعال أزمة الاقباط في مصر واستعمال ورقة الاقليات الدينية والعرقية ممارسة قديمة يعرفها العام والخاص, كألاعيب وأوراق اخرى مثل حقوق الانسان والديمقراطية وحرية الصحافة وما الى ذلك, فأحداث قرية (الكشح) استغلت بطريقة لا اخلاقية للمساس بسمعة وكرامة شعب بأكمله, والاخطر من ذلك ان الهدف من ورائها هو تحريك الفوارق الدينية والعرقية لزعزعة استقرار مجتمع بكامله وكذلك استغلال الجالية المصرية القبطية المتواجدة في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية لضرب مصر التي رفضت ومازالت ترفض ممارسات الكيان الصهيوني في الاراضي الفلسطينية, فالغرب باعلامه يضرب تارة على وتر حقوق الانسان وتارة اخرى على الاضطهاد الديني وتارة على الديمقراطية وحرية الفكر والرأي وهكذا. والغرب الذي يدعي حرية الفكر والرأي والتعبير هو الذي حاكم المفكر الفرنسي الاسلامي روجيه جارودي لانه كشف الاساطير الباطلة للكيان الصهيوني, لكن هذا الغرب لم يحاول محاكمة (سلمان رشدي) او (تسليمه نسرين) عندما شوها الاسلام وزيفا حقائقه ومسا كرامة اكثر من مليار مسلم في العالم, لكن ما حدث ان الغرب صفق وهلل ومنح الجوائز لهؤلاء الدجالين اشباه الكتاب والمثقفين وحوكم جارودي في دولة الحرية والاخوة والمساواة. سيناريو حادثة قرية (الكشح) يجسده الفيلم الامريكي الاخير (الحصار) الذي جاء ليكرس داء الاسلاموفوبيا ومرض الحساسية ضد كل ماهو عربي ومسلم, وهنا نتساءل ونقول أين هي الاخلاق واين هي القيم والمبادئ التي يمجدها الغرب ووسائل اعلامه, فالفيلم جاء حاقدا ومشوها لواقع العرب والمسلمين, ويا ترى لصالح من هذه الصورة النمطية وهذا التزييف والحقد والكراهية؟ وفي كل هذا اين هو الضمير المهني والضمير الاخلاقي؟ وبكل بساطة سلطة المال والجاه والنفوذ لا تعترف الا بضميرها الخاص والذي يتمثل في مصالحها الضيقة, مصالح الصهيونية العالمية والحفنة التي تملك وتسير وتنفذ ضاربة عرض الحائط بالقيم والمبادئ الانسانية, وصدق من قال من يملك المعلومات يملك السلطة, ومن يملك المال يملك الرأي العام في عالم متعولم. جامعة البيان قسم الاتصال الجماهيري

Email