الحرب الأمريكية ضد العراق حقيقتها والتساؤلات التي تطرحها،بقلم ماجد كيالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة تساؤلات ملحة ومشروعة تطرحها الازمة الامريكية ــ العراقية على خلفية الموقف من صلاحيات فريق المفتشين الدوليين المختص بالتفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في العراق. وهذه التساؤلات هي التي يمكن ان تقدم لنا الاجابات الحقيقة والمباشرة التي تقف وراء هذه الازمة , فمن حق اي عربي ان يتساءل عن معنى الانتماء الى عالم واحد, ومن حق اي عربي ان يتساءل عما اذا كان خطاب (العولمة) التي تضخه الآلة الاعلامية الغربية (الامريكية خاصة) هو مجرد خطاب للاستهلاك, ولتعميق اغترابه في هذا العالم, وتجريده من خصوصياته القومية والحضارية, ومن حق اي عربي, ان يتساءل عن مغزى المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والشعوب, وعن مهمة منظمة الامم المتحدة, ومجلس الامن الدولي وغير ذلك من الهيئات الدولية. وللاسف فان اي عربي, (واي انسان في دول العالم الثالث او النامي) لا يحتاج الى عناء تفكير حتى يكتشف بان هذا العالم الذي تستشر الولايات المتحدة لصياغته وفق مفاهيمها وقيمها ومصالحها, وفي اطار هيمنتها وجبروتها التكنولوجي والاقتصادي والعسكري والاعلامي, لايوجد له مكان فيه. وهذا العالم يصاغ وفق مصالح الدول الكبرى والشركات متعددة الجنسيات, ووفق مشيئة القطب المهيمن على النظام الدولي (الولايات المتحدة) بعيدا عن المبادىء الانسانية وقيم العدالة والحرية والمساواة, ولا ينتظر دول العالم الثالث, وناس العالم الثالث سوى المزيد من التهميش والتغريب والاقصاء, فهذه الدول يناسبها هم مجرد موضوع للاستغلال ومجرد سلعة في سوق العمل, وحقل تجارب للاكتشافات العلمية, وساحة اختبار للاسلحة الحديثة. لقد فضحت الولايات المتحدة الامريكية منطقها العنصري ــ الاستعلائي, وكشفت بكل جلاء عن طموحاتها في الهيمنة على النظام الدولي, وبينت بكل صلافة بانها هي التي تحدد ارادة المجتمع الدولي, وهي التي تقرر (الشرعية الدولية) ! بدفعها الاوضاع باتجاه شن حرب عدوانية مدمرة, بشعة, ضد الشعب العراقي, لتدمير كل امكانيات الحياة لديه, من دون ان تلتفت لا الى المبادرات العراقية التي تبدي مزيد من المرونة, ولا الى المبادرات الاخرى التي تطرحها كل من: روسيا وفرنسا والصين (الدول الاعضاء في مجلس الامن!) ولا الى مبادرات الاقطار العربية وجامعة الدول العربية, وباستخفاف وغطرسة كبيرين. والولايات المتحدة الامريكية, في كل ذلك, تتدعى بكل صلافة بانها تمتلك منفردة المشروعية لشن حرب ضد العراق, من دون ان تلتفت لمدى استجابته لتلافي هذه الحرب المدمرة, وهي تدعي زورا وبهتانا بانها انما تخوض هذه الحرب باسم المجتمع الدولي!, والولايات المتحدة ترفض طرح اي سقف زمني او غير زمني حول موضوع التفتيش عن الاسلحة في العراق, اي انها ليست مستعدة لوضع اية معايير لهذه العملية, وكانها هدف بحد ذاته (لغاية في نفس يعقوب) بكل الاحوال, فقد بينت هذه الازمة, كما بينت من قبلها مجمل السياسات الامريكية, بان منطق العنصرية والجبروت الامريكي, واضح كل الوضوح. ومن العبث الحديث عن مسألة (الكيل بمكيالين) في تحليلنا لمجريات السياسة الامريكية. فالحقيقة الواضحة هي ان السياسة الامريكية تكيل بمكيال واحد في تعاطيها مع القضايا الدولية. وهذا الكيل تحدده مفاهيمها هي ومصالحها هي وقدراتها هي. ومايبدو للوهلة الاولى (بالنسبة لنا) على انه تناقض او ازدواجية في السياسة الامريكية, انما هو ناجم اما عن ثقة البعض بالولايات المتحدة الامريكية نتيجة اعجابه بها او موالاته لها! او هو ناجم عن قصور في وعي حقيقة السياسات والمصالح الامريكية. من حق اي انسان عربي ان يتساءل عن مغزى دق طبول الحرب وعن استهدافاتها, وعن هذا الحشد المخيف لأحدث ما انتجته الترسانة العسكرية الامريكية, والتي تستهدف تجريب تكنولوجيا الحرب الحديثة (الحرب عن بعد) ضد الاطفال والنساء والشيوخ والآمنين في العراق, في ذات الوقت, حيث الولايات المتحدة الامريكية, لا تفعل شيئا تجاه احتلال اسرائىل للاراضي الفلسطينية عام 1967م (اذا تجاوزتا عملية اغتصاب جزء كبير من اراضي فلسطين عام 1948م, كما لا تفعل شيئا تجاه احتلال جزء من الاراضي السورية واللبنانية. والولايات المتحدة لا تبدي اي حراك تجاه اسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية الموجودة في اسرائىل, بل وتغض الطرف عن امتناع اسرائىل المتكرر عن التوقيع على اتفاق حظر التسلح النووي, والولايات المتحدة ترفض تحميل اسرائىل حتى مسؤولية احتلال الاراضي العربية, والاعتداءات المستمرة على لبنان, ومن ضمنها مسؤولية مجزرة (قانا) وهي تحول دون اصدار مجلس الامن لقرارات تدين السياسات الاسرائىلية. بل وانها تساير التعنت الاسرائىلي الذي يكاد يطيح بعملية التسوية, وفي مقابل كل ذلك تفرض الولايات المتحدة الحصار الطويل على بعض من الاقطار العربية. وتوجه التهديدات والابتزازات الى عدد من الاقطار العربية الاخرى لدفعها لمسايرة التوجهات الامريكية في المنطقة. وفضلا عن هذا وذاك فان الولايات المتحدة تحاول فرض اسرائىل الدولة العنصريةــ العدوانية المصطنعة فرضا على دول المنطقة, حتى قبل ان تقوم هذه الدولة بتسوية اوضاعها بالانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967م, وقبل الاستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني, وقبل التخلي عن ترسانتها من اسلحة الدمار الشامل. ما نريد قوله هنا هو ان ما يبدو انفصاما او ازدواجية, او كيلا بمكيالين انما هو مجرد سياسة امريكية واحدة وواضحة لدرجة ان امريكا ليست بحاجة الى المواربة ولا الى المداورة لاخفاء او تبرير سياساتها هذه, فهي قوية الى درجة الافصاح عن سياساتها العنصرية العداونية بكل وقاحة, وهي متجبرة الى درجة تزوير الحقائق وشن حرب باسم العرب على العرب, وباسم العدالة على العدالة, وباسم الشرعية الدولية على الشرعية الدولية. باختصار, فان الولايات المتحدة لاتريد ضرب العراق بحد ذاته, وبعض ما تبقى في ترسانة العراق من اسلحة لا يثير قلقها ولا خوفها, ومسألة الدخول الى بعض المواقع الرئاسية او عدم الدخول لا تقدم ولا تؤخر شيئا بالنسبة لقدراتها الاستخبارية في اطار الحصار المحكم على العراق منذ سبع سنوات وبسبب تفوقها التكنولوجي وقدرتها عن الاستعلام والاستشكاف عن بعد في هذا المجال. لنكن واضحين كما هي امريكا واضحة في خطابها لنكن عادلين مع انفسنا ولنكف عن جلد ذاتنا, فوق الجلد الذي تبيته لنا امريكا هذه. ولنعلن بوضوح بان الولايات المتحدة الامريكية, تخوض في منطقتنا صراعها من اجل تقرير هيمنتها على النظام العالمي, وهي تدرك ان هذه المنطقة الاستراتيجية من الناحية الجغرافية والاقتصادية ومن ناحية احتوائها على معظم احتياطي العالم من النفط والغاز, هي منطقة حيوية للعالم, وان من يسيطر عليها يستطيع السيطرة على مداخل آسيا وافريقيا واوروبا. ومن ناحية ثانية فإن الحرب التي تجري لا تستهدف تقويض امكانات العراق العسكرية فحسب, كما بينت التجربة, وانما هي تستهدف تقويض بنيته التحتية, كما تستهدف اضعافه والنيل من وحدته المجتمعية والجغرافية والسياسية, ومن ناحية ثالثة فان الحرب ضد العراق , هي مسعى جديد من امريكا لاضعاف العرب وفرض النظام الاقليمي الشرق اوسطي الذي تريده وفق رؤاها ومصالحها التي تتناسب مع رؤى ومصالح اسرائىل. امريكا تحاول من خلال العراق ومن خلال العرب تأديب العالم واخضاعه. ان ما يجري بمعنى من المعاني هو صراع بين مساري (العولمة) و(الامركة) وهما مساران متناقضان من حيث الجوهر ومن حيث المفاهيم والقيم والمصالح, ومايجري هو صراع بين مسارات الحداثة التي تفترض تعميم منجزات البشرية الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية وغيرها, وتعميم قيم العدالة والحرية والتعاون والمساواة وبين مسارات الظلامية والتشويه التي تفرضها امريكا باحتكارها التكنولوجي والاقتصادي والاعلامي وبتعميمها قيمها الاستهلاكية والفردية والتغريبية, لتقرير هيمنتها العنصرية ــ العدوانية ــ الشمولية انها (روما) الجديدة التي تريد عالما من العبيد والمريدين من موقع الدونية والتبعية, عالما تسوده قيم اللامبالاة والاستعلاء والجبروت, هذا ما ينتظر في إطار (الامركة) فماذا ننتظر؟!

Email