مع الناس:بقلم- عبدالحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد انتهاء اجتماع أوبك من دون نتيجة ولا باتفاق الحد الادنى المطلوب كالاستمرار بالعمل على التخفيضات الحالية, فإننا نعود مرة اخرى إلى موضوع البترول, وما ادراك ما البترول فهذا هو الذي ينطبق عليه شاغل الدنيا ومالىء الناس, مع أنه في حقيقة الامر بلا قيمة مادية حقيقية في الوقت الحاضر . وشاغل الدنيا لان الدنيا تنام عليه وتصحو, فلا مصباحا كهربائيا يضيء اليوم ولا سيارة تتحرك ولا طائرة تطير ولا سفينة تمخر البحر ولا مصنعا تدور تروسه ولا تدفئة مركزية أو تبريدا ولا كهرباء أو ماء أو حتى زراعة من غير بترول, وشاغل الناس لأن مستوى معيشتهم مرتبط به صعودا ونزولا, فهناك من يأمل من ارتفاع اسعاره كل الخير وهناك من يأمل من انخفاض اسعاره كل الخير. هذا البترول الموصوف بالطاقة الحيوية للعالم وبالعنصر الاستراتيجي للدول المنتجة والمصدرة والمستوردة على السواء يباع اليوم بسعر عشرة دولارات للبرميل الواحد, أي ان اللتر منه بحوالي 18 فلساً, هو تحديداً أقل بكثير من لتر المياه المعبأة في قناني تباع الواحدة بنصف درهم, أي خمسين فلسا, وبأقل بكثير من علكة شوكليت التي يصل سعر العلبة منها درهما كاملا, الله الوكيل. مع ذلك فالسعر هذا لا يعجب فيما يبدو زبائن البترول من دول وشركات عالمية ومصافي تكرير, نسبة لان عندهم منه فائضا كثيرا بعدما امتلأت خزانات الاحتياطي تحت الأرض وفوق الارض عن بكرة أبيها, فلا لزوم إلى مزيد في الوقت الحالي, ثم ان دول أوبك نفسها وغير دول أوبك المنتجة والمصدرة, بحاجة إلى أموال من بيع البترول لاستمرار دوران عجلة الحياة فيها, فيكون عليها ضخ المزيد من البترول كلما نزل السعر لكي تحافظ على مستوى الدخل, ما يعني تدني الاسعار أكثر فأكثر إلى الحضيض. الحضيض هو ما توقعه في اعقاب فشل اجتماع أوبك الاخير وزير النفط الكويتي الذي تحدث عن انخفاض السعر إلى مستوى ما بين خمسة دولارات إلى سبعة للبرميل, أي حوالي تسعة فلوس فقط للتر الواحد, يابلاش, ما يجعل من النفط في حال وصل إلى هذا المستوى من الانحدار أرخص سلعة على وجه الارض, فيكون من الافضل عندها وقف بيعه نهائيا, لأن الاستمرار في ذلك يعني ارتكاب جناية تقود إلى كارثة فعلية. طبعا هذه الاجواء المأساوية التي تسود سوق البترول واضحة اليوم في البورصات الخليجية كلها, حيث ركود في التداول وعزوف عن الشراء مع اخبار عن تحويلات واستثمارات في الخارج, وهو ركود يكاد ينسحب ليشمل قطاعات اخرى من الخدمات إلى العقارات والتجارة, حيث اسعار النفط شريان هذه القطاعات. وبما ان وزراء في أوبك يتحدثون عن ضرورة خفض الانتاج لكي تعود الاسعار إلى التماسك وانقاذ ما يمكن انقاذه, فيقترح بعضهم خفضا من مليون إلى مليوني برميل يوميا, ومع ذلك لا يحدث اتفاق, فان الواضح ان هناك ما يشبه القدر المحتوم يسير إليه البترول, في ظل تسليم كامل من دول أوبك لمثل هذا القدر, لا يبقى معه مجال للانقاذ, سوى وقف الانتاج والتصدير لامد معلوم, لا مجرد خفض الانتاج, مليونا أو مليونين, فقد ثبت أن الخفض مجرد مسكن لا فائدة منه, لكن السؤال المعلق هو: من يجرؤ على المبادرة.

Email