الأمن والحريات ودولة القانون : الثلاثية الخاتمية تحت الاختبار:بقلم- محمد صادق الحسيني:

ت + ت - الحجم الطبيعي

أيا كانت الجهة التي تقف وراء اغتيال زعيم حزب الشعب الايراني داريوش فروهر وزوجته فانها ارادت اغتيال الامن والحريات في البلاد , وايا كانت الجهة التي تقف وراء الهجوم على حافلة السياح الامريكيين فانها ارادت كذلك تعريض الأمن والحريات في البلاد للخطر, وايا كانت الجهة التي تقف وراء الهجوم على الاجتماعات القانونية العامة فانها ارادت من وراء ذلك اظهار البلاد وكأنها تفتقر الى الأمن وحكم القانون والأهم من ذلك ارادت اظهار الشعب الايراني وكأنه ليس ناضجا بما فيه الكفاية لاختيار من يناسبة من الزعماء الوطنيين وتنفس الحرية بطلاقة وانتخاب الفكرة الاحسن من بين الافكار والاطروحات المختلفة. باختصار شديد ومكثف (فان محاولات التعرض لأمن الافراد والجماعات والحريات العامة التي يتمتع بها المواطنون الايرانيون والتي اخذت تترسخ في اطار القانون الاساسي للبلاد في ظل حكومة الرئيس محمد خاتمي بشكل مؤسسات مدنية واهلية متنوعة ليست في الواقع سوى محاولات اغتيال فاشلة لبرنامج حكومة الرئيس محمد خاتمي الاصلاحية كما يقول المحللون السياسيون من جماعة المجتمع المدني الجديد. ان ايران المنهمكة هذه الايام من اقصاها الى اقصاها بالتحضير لانتخابات مجالس الشورى المحلية تقف برأى اجماع المحللين السياسيين المتتبعين لحركة تطور الفكر السياسي الاصلاحي امام منعطف جديد يفرض على رموز التيارات الاساسية في البلاد كما على الرأي العام الايراني انتخابا بين أمرين لا ثالث لهما اما اختيار طريق التنوع والتعددية وتواجد الرأي والرأي الآخر وتحمل الاختلاف في الرأي واما العودة الى عصر مجتمعات اللون الواحد والرأي الواحد والحزب الواحد وفقدان القدرة على تحمل الرأي الآخر, حيث يقضي الخيار الاول بسريان مفعول مقولة التسامح والتساهل والسجال الصحيح في اطار القانون فيما يعني الخيار الثاني سريان مفعول مقولة التخاصم والصراع والعزل والعزل المضاد والاقصاء والنفي في اطار من المعارك الفوضوية غير الخاضعة لاي قانون. يقول الرئيس محمد خاتمي في هذا السياق وفي لقائه بارباب الصحافة والمطبوعات بان خيارنا كمجتمع اسلامي لارجعة فيه بتاتا وهو (ان نبني مجتمعا متعدد الاصوات يتحمل فيه كل واحد منا الآخر ايا كان رأيه حتى وان كان معارضا للحكومة والنظام بل وحتى اذا ماكان من المعارضين لمبدأ الحرية) ويتساءل خاتمي: ألم يكن احد اهداف الثورة ان نطلق حرية التعبير وان يكون النقد مفتوحا للجميع في اطار القانون دون خوف من احد وفي ظل سيادة الأمن والحرية التامة لاعلان الرأي المعارض بعيدا عن ادوات القمع؟!) وعليه فقد ندد الرئيس الايراني بوضوح باعمال التعرض لحرية الآخرين لاسيما في حقل الاعلام والصحافة كما ندد بالهجوم الذي تعرض له السياح الامريكيون وكذلك باغتيال داريوش فروهر واصفا العمل بانه (يعرض الأمن الوطني للخطر) والثاني بانه عمل (لايليق بالنظام وغير مقبول بتاتا) فيما وصف الثالث بانه (يثير القلق) . يقول المحللون السياسيون المقربون من حكومة الرئيس محمد خاتمي بان كل هذه الاعمال الخارجة على القانون انما يقصد من ورائها اظهار الحكومة والرئيس بانهما عاجزان عن السيطرة على الوضع وانهما غير كفؤين لادارة شؤون البلاد والعباد. ويعزون باللائمة على بعض رموز الجناح المحافظ الذين قدموا تحليلات توحي بعجز الحكومة والادارة الخاتمية ووصولها الى الطريق المسدود ! على صدر صفحات منشوراتهم الحزبية الامر الذي اثار شبهات حول الجهات التي تشجع مثل هذه الاعمال اللاقانونية في الوقت الذي يطالب فيه قادة البلاد الجميع بالتمسك بالقانون ورعاية مبادىء الحوار السلمي , وبذل اقصى الجهود والمساعي لمساعدة الرئيس خاتمي في تجاوز الصعوبات المعيشية المنعكسة على ادارته بسبب تدني اسعار النفط والازمة الاقتصادية العامة. ثمة من يعتقد في هذا السياق بان الصراع الحزبي والتناحر الفئوي الذي تحاول بعض رموز المجتمع السياسي القديم ادخال البلاد فيه بسبب تجاوز العصر لاطروحاتهم السياسية والفكرية انما يتسبب في فتح ثغرات في جسم الحركة السياسية الوطنية والاسلامية ينفذ من خلالها بعض المتطرفين والانتهازيين فيقومون بهذه التحركات الخارجية على القانون متلبسين بالشعارات الثورية والدفاع عن القيم الدينية الاصلية! وهنا يتساءل الجناح الاصلاحي المؤيد للرئيس محمد خاتمي عن الجهة الحقيقية المستفيدة من اظهار البلاد وكأنها تفتقر الى الأمن والاستقرار وحكم القانون والكفاءة الادارية في الوقت الذي تجمع فيه القيادة الايرانية والقوى الرئيسية في البلاد على الحاجة الضرورية والماسة للوحدة الوطنية والاجتماع على سياسات جذب رؤوس الاموال الاجنبية ونزع التوتر في علاقات ايران الخارجية. ويحذر انصار الرئيس بشكل متزايد من سياسة التراخي التي تتبعها الحكومة احيانا تجاه الخارجين عن القانون وتزداد المطالبة بالحزم مع هؤلاء قبل فوات الاوان, ومع كل يوم يمر يبدون متشائمين اكثر فاكثر تجاه ما باتوا يسمونها بسياسة المهادنة مع المعارضين لسياسات الحكومة. من جهته فان الرئيس محمد خاتمي الذي يبدو هذه الايام اكثر حزما في اعلان مواقفه الصريحة تجاه الخارجين على القانون يبدي خشيته من احتمالات قيام بعض انصاره في حرق المراحل والتعجيل باعلان القطيعة الكاملة مع جماعات المجتمع القديم الامر الذي من شأنه ايضا بنظر الرئيس - ان يساهم في اشاعة اجواء عدم الأمن واللا استقرار في البلاد. ويرى الرئيس محمد خاتمي ومعه اقطاب من المجتمع القديم والجديد ايضا وان كانوا اقلية في تكتل الاصلاح والتغيير بان الاجدى للخروج من هذه الدوامة هو في ادخال الجميع ودون استثناء في العملية الديمقراطية الاصلاحية التي انطلقت بثوب جديد بعد الثالث والعشرين من مايو من العام 1997 ومن ثم تسلم الرئيس محمد خاتمي سدة الرئاسة. وتقضي هذه النظرة التي لاتزال تلقى مقاومة بعض اقطاب اليمين واليسار التقليديين بان الميدان الديمقراطي يسع الجميع موالاة ومعارضة وكما يقول الرئيس محمد خاتمي (حتى اولئك المعارضين للحكومة والناقدين لها بشدة, وكذلك المعارضين للحرية نفسها او الذين يعتبرونها خطرا على القيم الثورية او الدينية) . لكن هنا ايضا ثمة من يقول بان نفس هذه الدعوة الاصلاحية قد تكون سببا جديدا في اشعال غيظ وسخط جناح من المحافظين التقليديين وجناح من الراديكاليين المنضون تحت تكتل الاصلاحيين حيث يطالب كل منهما باقصاء الآخر ليخلو الجو له ولسياساته الشمولية ذات اللون الواحد. وفي هذا السياق تأتي انتخابات مجالس الشورى المحلية (البلديات) كما قلنا منعطفا جديدا امام التيارات المختلفة في البلاد لتمتحن كل فئة نفسها في مدى قدرتها على التجاوب مع ارادة التغيير والتحول الطموحة لدى اكثرية الرأى العام الايراني المعني بصناديق الاقتراع في فبراير المقبل. وهنا يظهر الرئيس محمد خاتمي وكأنه يراهن مرة اخرى على الناخب من رجل الشارع الايراني غير المنتمي في غالبيته الى اي من الاحزاب او المنظمات السياسية الرئيسية في البلاد, لادخاله مجددا كعامل توازن جديد في معادلة صناعة القرار وصياغته لعله يؤمن الصيغة الديمقراطية المثالية التي يبحث عنها الرئيس الاصلاحي في ظل نظام اسلامي عصري يعتمد الجمهور عنصرا اساسيا في رسم اللوحة النهائية للمجتمع المدني الحديث, مجتمع التعدديات السياسية والفكرية والثقافية والذي تتساوى فيه الموالاة والمعارضة في حقوق المواطنة القانونية والدستورية.

Email