العراق واللجنة الدولية والولايات المتحدة : العودة للمواجهة؟بقلم- د. شفيق ناظم الغبرا

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما زالت العاصفة تتجمع والآراء تتعدد عن احتمالات الوضع بين العراق والولايات المتحدة, الأجواء في معظم الافتتاحيات الصحفية الأمريكية تدعو لمعاقبة صدام لرفضه تقديم المعلومات المطلوبة والوثائق الى اللجنة الدولية وذلك انطلاقا من ان العراق ما زال يلعب لعبة اخفاء وتصنيع اسلحة الدمار الشامل, أما الرئيس الأمريكي فهو أمام قرارات صعبة لانه لا يحبذ العمل العسكري وينطلق من مخاطره متذكرا التجربة الفيتنامية التي عارضها وتجربة الصراع مع كوبا والفشل في عملية خليج الخنازير ضد كاسترو إبان ادارة الرئيس كيندي, ولكن الرئيس كلينتون يواجه مزيدا من الضغوط الداخلية للتصرف لهذا قد يجد في نهاية الطريق ان العمل العسكري أمر حتمي, هكذا تسير التطورات بسرعة أكبر من المتوقع باتجاه مصير ينقصه الوضوح وباتجاه مواجهات وأزمات جديدة. وفي العراق لم يتغير شيء ذا قيمة منذ عام 1990: نفس القيادات والسياسات ونفس الاساليب القديمة والشعارات واللغة التي سببت للعراق أزماته ما زالت تستخدم كل يوم وفي كل تحرك, لقد شكل استقبال فرق التفتيش ببرود وافتتاحات الصحف العراقية التي سمت ريتشارد باتلر (بالكلب المسعور) تأكيدا على طبيعة الحالة العراقية في تعاملها مع فرق التفتيش والعالم المحيط بها, والمؤلم في التجربة العراقية ان النظام لم يكتشف بعد ان هذا الخطاب القديم يساهم في خسارته ويساهم في اثارة مزيد من المخاوف منه, ان الخطاب العسكري والمتشدد هو الذي يؤذي العراق بأكثر مما تؤذيها عملية تسليم ما تبقى من الوثائق ومن أسلحة الدمار الشامل. لقد جاءت تصريحات الصحاف وزير الخارجية العراقي حول وجود (حملة تضليلية وحشية ضد العراق) لتؤكد مدى صعوبة الوضع ولتذكر بأن الأزمة بين العراق ومجلس الأمن تعيش نفقا صعبا لا مخرج عمليا منه, بل لأول مرة يعترف الصحاف في رده على الصحافيين بأن معظم الوثائق التي قدمها العراق الى اللجنة الدولية (اونسكوم) والبالغة ستمائة وستون ألف صفحة جاءت نتيجة هروب حسين كامل ولم تقدم طوعا, ان وثائق ما يعرف (بخم الدجاج) والتي قدمت بعد هرب حسين كامل وذلك لتفويت الفرصة على حسين كامل واستباق المعلومات التي سيقدمها قد اساءت كثيرا للعراق وكشفت أبعادا في البرامج العراقية لم يستطيع العراق اثبات عدم وجودها, بل لعبت تلك الوثائق كما لعب حسين كامل دورا كبيرا في ابقاء وتمديد العقوبات وكشف اساليب الاخفاء العراقية, لهذا فبينما يعتبر العراق انه قدم كل شيء تعتبر اللجنة ان الكثير من المعلومات والفراغات ما زالت محجوبة عنها, لهذا جاءت تصريحات الصحاف وزير الخارجية العراقي حول تسليم العراق لكل شيء وتصريح ممثل العراق في الأمم المتحدة بأن العراق لم يعد يمتلك شيئًا يقدمه لتبدأ في بناء أزمة جديدة. ومن أكثر الشكوك التي تؤثر على العراق القناعة لدى اللجنة الدولية بتوفر مختبر كيماوي منقول على عجلات, وكادت اللجنة ان تصل لهذا المختبر لكن العراقيين منعوها من الاقتراب في أكثر من حالة الى ان تسنى تهريب المختبر المحمول على ناقلات. كما ان الشكوك كبيرة حول وجود أسلحة مخبأة ومواد مدفونة في مناطق متفرقة في العراق, كما ان الخلاف حول وجود مواد كمادة (الفي اكس) على اجزاء من صواريخ عراقية يدخل في المعادلة, اذ اكدت المختبرات الامريكية وجود المادة كما اكدت مختبرات اوروبية ايضا وجود (الفي اكس) على الصواريخ رغم تأكيد مختبرات فرنسية نتائج مناقضة قبل ذلك, لكن السؤال لدى اللجنة الدولية أين المواد وهل خبأها العراق؟ هذا كله يعود وينذر بمزيد من المواجهات التي تضر بالعراق وبشعبه. وفي هذه الأجواء التي تزداد توترا يأتي لقاء المعارضة العراقية في لندن ليشكل خطوة هامة على الطريق, فالمعارضة العراقية سبق لها ان فشلت في مواجهة نظام يمارس اساليب لا حدود لدمويتها, والمعارضة مرت بمراحل من التراجع اذ كثيرا ما شعرت بالاحباط من جراء تخلي الادارة الامريكية في أكثر من مرحلة عن التزاماتها في دعم المعارضة, وشكل هجوم القوات العراقية على معاقل المعارضة في الشمال عام 1996 ليخرجها مرحليا من اللعبة والتأثير, ان الاحداث الاخيرة عادت لتبث الروح في المعارضة, وجاء التزام الرئيس الأمريكي بالتغيير في العراق ليؤكد وجود دور لقوى المعارضة في المرحلة المقبلة, ان تهيئة المعارضة الآن للعب دور مع قوى عراقية داخلية في حالة وقوع مواجهات عسكرية يعكس طبيعة التطورات الجديدة في المسألة العراقية. وفي الوضع الراهن نجد ان الرئيس الأمريكي يواجه مزيدا من الضغوط الداخلية من الصحافة والكونجرس لاستخدام القوة: ان هذا الامر قد يؤدي بالولايات المتحدة للدخول في حرب مع صدام, وهي حرب الهدف منها اعادة تأكيد الدور الامريكي والمصداقية الامريكية المتراجعة اقليميا ودوليا. ان جميع المؤشرات تسير بهذا الاتجاه اما التوقيت فهذا مرتبط بحجم الضغوط وبمدى المقدرة على تفادي الأزمة الراهنة. ويستند السيناريو العسكري المطروح على ضربة عسكرية شاملة, لمراكز اجهزة الاستخبارات وبعض المراكز العسكرية والكثير من القصور تعقبها تطورات داخلية عراقية ومنع للطيران العراقي والهيلكوبتر من الطيران فوق كل العراق ثم دعم لحكومة منفى, وربما حكومة في الاراضي العراقية في الجنوب مع رفع العقوبات عن المناطق التي لا تخضع لسلطة النظام العراقي, ولكن بنفس الوقت قد يجد النظام في العراق ان ضربة عسكرية لا تسقطه قد تساهم في تقويته وقد تفتح الباب امامه لاحراج الولايات المتحدة وفرض التراجع السياسي عليها, اذن العراق يقترب من مفترق طرق بين تأجيل المواجهة العسكرية مرحليا أو الدخول في مواجهات شاملة تتضح احتمالاتها في الأيام القليلة المقبلة. مدير المكتب الاعلامي الكويتي, أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت ورئيس تحرير مجلة العلوم الاجتماعية*

Email