اليورو أم الدولار .. أيهما تختار؟بقلم- د. أحمد القديدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلن الزعيم الكوبي فيدل كاسترو الاسبوع الماضي ان دولته قررت تعويض الدولار باليورو في المعاملات التجارية الكوبية ذات الطابع الدولي بداية من أول يناير 1999 ــ تاريخ طرح العملة الأوروبية الجديدة ــ وصدر بيان عن مجموعة دول أوروبا الشرقية ــ الدائرة سابقا في فلك ما كان يسمى الاتحاد السوفييتي ــ يوم الثلاثاء الماضي يشير على استحياء ولكن بوضوح الى امكانية اعتناق دول هذه المجموعة للعملة النقدية الأوروبية والدخول أفواجا في زمرة المتعاملين بها ــ ولو تدريجيا ــ ومن جهة أخرى نظمت اتحادات النقابات ومجموعات شركات التأمين والمصارف في كل من روسيا الاتحادية وبلدان جنوب شرقي آسيا مؤتمرات مطولة وندوات نقاشية للاستعداد لما أسماه أحد خبراء الاقتصاد (العودة لعالم ثنائي القطبية على الصعيد النقدي...) . وبالفعل فإن الحدث الكبير المتوقع هو نزول اليورو الى الأسواق بعد ثلاثة وثلاثين يوما بالضبط.. ثم تعويض اليورو لكل العملات الأوروبية الوطنية تماما في أول يناير من سنة 2001. انه حدث مزلزل وعظيم.. تنجزه مجموعة القارة الأوروبية الموحدة بعد أربعين عاما من بداية مسارها الوحدوي الموفق, منذ ان شرع الجنرال ديجول والمستشار الألماني اديناور سنة 1957 في ضم جهود الدولتين حول الحديد والصلب, حيث تجتمع 15 دولة أوروبية لتحدد حتى سعر الزبدة وانتقال التفاح.. انه حدث مزلزل وعظيم لأنه سيضع موضع النظر والشك ذلك النظام (العالمي) الاقتصادي والنقدي المسمى بنظام (برتن وودس) على اسم قرية أمريكية صغيرة اجتمع فيها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لارساء نظام نقدي يخدم مصالحهم ويقسم بينهم ثروات العالم المعدنية والنفطية بصورة جائرة وتحت شعار الدولار المنتصر الظافر. وبالطبع فإن كل الاجهزة المالية التي أنشأتها منظمة الأمم المتحدة تخضع لهذا النظام وتكرسه وتغذيه, كان ذلك شأن البنك العالمي للانشاء والتعمير وشأن صندوق النقد الدولي وشأن مصرف المصارف المركزية الذي مقره مدينة بازل السويسرية.. وللتاريخ نذكر ان الرئيس الفرنسي الأسبق الجنرال ديجول وباعانة بعض الساسة الفرنسيين الاحرار أمثال ميشال جوبير والرئيس الحالي جاك شيراك, كان قد شكك في عدل هذا النظام ودعا في العديد من المناسبات الى ترجيح كفة عملة أوروبية مقتدرة لمنافسته, وجاء ذلك بعد سنوات طويلة من الصراع الخفي بين أوروبا القوية اقتصاديا وخاصة ثقافيا وبين العملاق الأمريكي المستفرد حتى اليوم بالفكرة الموحدة وبادارة الازمات الاقليمية واخضاع كل اقتصادات العالم لمشيئة واشنطن ولمصالح الشركات الأمريكية الكبرى التي قال عنها السياسي وعالم الاقتصاد الفرنسي والوزير السابق (ج.ج سرفان شرايبر) في كتابه الشهير (التحدي الأمريكي) انها تمثل القوى الاقتصادية الثانية بعد الدولة الأمريكية. ولكن السؤال الأساسي بالنسبة لنا هو: هل انشغل العالم العربي بهذا الشأن؟ وهل اجتمع وزراء المالية والاقتصاد العرب لتقييم هذا الحدث المقبل؟.. مجرد تقييم؟ وهل فكرت جامعة الدول العربية بخبرائها الاقتصاديين في احتمال ان يكون لليورو تأثير مباشر على اقتصاديات العرب ومصالحهم الآجلة والعاجلة؟ ثم اذا كانت الجامعة العربية عاجزة عن متابعة هذه التحولات الكبرى, فأحرى ان يجتمع وزراء المالية لدول مجلس التعاون الخليجي أو وزراء دول الاتحاد المغاربي, فلعل التنسيق والتشاور أيسر على الصعيد الاقليمي. ومن حقنا ان نتساءل كعرب عن دور الدولار القوي في تردي أسعار النفط وامكانية تعديل هذه الأسعار بالاعتماد على اليورو في بعض المعاملات والصفقات ولو مع المجموعة الأوروبية! ومن حقنا ان نتساءل كعرب عن دور الدولار في انفراط التوازن في المبادلات التجارية بين أوروبا وبلدان المغرب العربي.. وهو انفراط يصب في مصلحة دول الشمال الغنية على حساب دول الجنوب النامية, خاصة وان كلا من تونس والمملكة المغربية حققتا هذه العشرية نموا كبيرا وشاملا وجديرا بالتشجيع. هل كتب علينا نحن العرب ان نظل على هامش ما يسمى العولمة؟.. نحدق في الاحداث والهزات من حولنا بعيون الاندهاش والصبر والترقب دون ان نستشرف المستقبل.. وعلى فكرة, لماذا لا نبادر بجمع ندوة خليجية أو عربية حول هذه القضية الاقتصادية الخطيرة: قضية نزول اليورو قريبا جدا ليضع حدا.. لعالم أحادي القطبية على الصعيد النقدي.. ثم السياسي لا محالة. ولكن من يريد اليقين بأن هذه التحولات حبلى بعالم جديد عليه ان يقرأ مشكورا كتابا على غاية من الأهمية سوف نستعرضه لاحقا صدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت بعنوان (فخ العولمة) للخبيرين الألمانيين (بيتر مارتين) و(مارلد شوبان) وهو صادر... بالعربية!

Email