يا تموتونا وتخلّصونا!بقلم- محمود السعدني

ت + ت - الحجم الطبيعي

من فضل الله على عباده ان كل الاحداث التي يشهدها العالم هذه الايام, كلها تؤكد وتبرهن على حقيقة النظام العالمي الجديد, مصير الزعيم الكردي عبدالله اوجلان الذي انتهى به المطاف في روما , بعد رفض الاتحاد السوفييتي قبوله كلاجئ سياسي, مع ان الرجل بشهادة العالم كله ليس من النوع الذي يمارس الارهاب, ولكنه زعيم يناضل من اجل شعبه, وهو بالنسبة للاكراد كغاندي بالنسبة للهنود, وكالزعيم جوموكينباتا بالنسبة لشعب كينيا وكسعد باشا زغلول بالنسبة للمصريين. وبالتأكيد لو ظهر هؤلاء في ظل النظام العالمي الجديد, لانتهى بهم الحال الى نفس مصير اوجلان, لانه في ظل النظام العالمي الجديد غير مسموح بظهور زعامات او قيادات تاريخية, ولكن يمكن تحقيق احلام الشعوب بانشاء بورصات جديدة ومضاعفة قروض البنك الدولي, والتوسع في عمليات الاستيراد والتصدير وتنفيذ نظام الخصخصة والحرص على( الاخذ بنظام السوق الحرة وعدم فرض اي قيود او وضع اي حدود على حركة التجارة اما حركات التحرير والكفاح على طريق تحقيق الاماني والمطالب المشروعة للشعوب, فهذه كلها موضة قديمة ومن مخلفات النظام العالمي القديم وها هي موسكو التي كانت حصنا وملاذا وممرا ومقرا لكل المناضلين من كل جنسية ومن كل ملة, ها هي تتخلى عن ثائر ومناضل يقدر شعبه, لجأ اليها وطلب حمايته من جلاديه, ولكن مجلس الدوما رفض الطلب, والرئيس الروسي رفضه على اساس ان روسيا فيها اللي مكفيها! ومن آيات النظام العالمي الجديد ايضا ما حدث هذا الاسبوع في لندن عاصمة الامبراطورية التي كانت الشمس لا تغيب عنها, ثوان. عشرات من زعماء المعارضة العراقية للاجتماع ببعض كبار المسؤولين من الحكومة البريطانية, للبحث عن افضل الطرق للاطاحة بنظام الرئيس صدام حسين, لاول مرة في التاريخ يجتمع عشرات من الزعماء (الوطنيين) مع حكومة اجنبية للبحث عن وسائل ممتازة لضرب بلادهم. وزمان كان يحدث مثل هذا الامر, ولكن بعيدا عن العيون وفي حماية اكبر قدر من السرية, ولكنه يحدث الان امام الجميع وعلى عينك يا تاجر, ويقف الزعيم (الوطني) امام عدسات التلفزيون ليتحدث عن دوره في المهمة العظيمة التي جاء من اجلها. والعبد لله كله عاش فترة في بغداد, واستطيع ان أحكي الكثير عن تجاوزات النظام العراقي, وعن الاسلوب البوليسي الذي يهيمن على نظام بغداد, وعن الاضطهاد الذي يعاني منه المعارضون و... المؤيدون ايضا. لدرجة انني وصفت حزب البعث العراقي, بانه الحزب الذي قتل من اعضائه اضعاف من قتل من اعدائه, ولكنني استطيع ان اقسم لكم الان أن صدام حسين اشرف وأطهر من كل السادة المعارضين الذين توافدوا على لندن للبحث مع حكومة العمال البريطانية عن افضل الطرق للاطاحة بصدام حسين!! والحمد لله لانني عندما القيت نظرة على كشف زعماء المعارضة, لم اتعرف على احد منهم, فكلهم من النوع الذي يقود حفنة من افراد الاسرة او من المعارف, ليس من بينهم شخصية معروفة الا فردا واحدا, كان في الماضي موظفا كبيرا من جهاز امني شهير, وهو بالتأكيد ارتكب خلال رئاسته لهذا الجهاز جرائم كثيرة ضد شعبه ربما اكثر من الجرائم التي ارتكبها المسؤولون الذين بقوا في السلطة حتى اليوم! والحمد لله ايضا.. لانني عاصرت فترة معارضة النظام المصري ايام السادات, ولكن لم يظهر في صفوف المعارضة المصرية ــ رغم الخلاف والحقد المتبادل.. من ذهب للاجتماع مع مسؤولين في الحكومة البريطانية او الحكومة الامريكية او زعماء الاتحاد السوفييتي للبحث عن افضل الطرق لضرب مصر او الاطاحة بنظام انور السادات وربما لان النظام العالمي الجديد لم يكن قد اشرق بنوره على الكرة الارضية. من مظاهر النظام العالمي الجديد هو هذا العاطل الاسترالي باتلر, الذي يشغل الان وظيفة كبير مفتشي الامم المتحدة في العراق. وهي وظيفة انعم الله بها عليه بعد طول صياعة في شوارع استراليا, ولذلك فهو يتشبث بها بمخالبه ويعض عليها بأسنانه, لانها والحمد لله.. مرتبها كبير ورزقها وفير ايضا, كما انها تؤمن له تذاكر طيران بالهبل, وتضمن له النوم في فنادق من المستوى الفاخر, وتدفع له بدل سفر وبدل اكل وبدل ملابس وبدل ما حد تاني ياخدهم. ولذلك... فهو يبدو اشد وطأة على العراقيين من الامريكيين والبريطانيين انفسهم وكلما اشرف الجرح على الشفاء, راح يعبث فيه بأصابعه لكي ينزف الجرح من جديد, لان شفاء الجرح معناه العودة الى الصياعة من جديد, والنوم مرة اخرى في فنادق من نوع الكوكب الزينبي, وتناول الطعام في مطاعم ابو ظريفة والحاج جعلص الكواري. فالعز الذي يرفل فيه باتلر مرهون ببقاء الحال على ما هو عليه في العراق, شعب بأكمله في الاسر, وضحايا بعشرات الألوف من الاطفال وكبار السن, وفوضى شاملة تضرب العراق في الجنوب والشمال, بينما المستر باتلر ينعم بالحرير والديباج, ويتضاعف رصيده في بنوك امريكا واوروبا واستراليا ايضا. والفضل كل الفضل للنظام العالمي الجديد, الذي هو في حقيقة الامر اشبه بالكلوب العصري الجديد لاصحابه كلينتون وبلير ونتانياهو وآخرين والسؤال الان.. العالم الى أين؟ لا اعتقد ان هناك من يستطيع ان يحدد من أين؟ او الى أين؟ ولكن يبدو اننا أبناء دول العالم الثالث, في وضع أشبه بالوضع الذي وصفه المفكر الكبير الذي افتقدناه الاستاذ احمد بهاء الدين عندما وصف الحال بأننا نشبه ركاب طائرة مخطوفة, لا احد يعرف اين نهبط ولا متى تنتهي المأساة, فنحن مربوطون في مقاعدنا والمسدسات فوق رؤوسنا وليس امامنا الا الصبر والصمت والانتظار والله يخرب بيت ابوه الذي كان السبب في انهيار الاتحاد السوفييتي, وهو الانهيار الذي مهد بظهور النظام العالمي الجديد, والذي جعلنا في العالم العربي نستيقظ فجأة على خبر مزعج هو تحويل دولة عربية شقيقة الى مخزن لكل انواع الاسلحة الامريكية. ومعنى ذلك ان ضربنا نحن العرب لن يستغرق زمنا طويلا, فالسلاح الذي سيضربون به جرى تخزينه في ارضنا, والعساكر الذين سيستخدمون السلاح موجودون بكثرة عندنا ايضا, وضرب اي جزء من ارضنا لا يحتاج الا لمجرد اشارة ثم نأكلها اجوازا وافرادا وعلى كل لون. وتحضرني الآن اغنية مأمون الشناوي الشهيرة, اغنيها لسادة النظام العالمي الجديد, يا ترحمونا وتعتقونا..., يا تموتونا وتخلصونا. نعم... فلم يعد في وسعنا الا الشتيمة والصراخ!..

Email